رسمت صحفٌ إسرائيليّة مؤخراً صورة للأوضاع الملتهبة عند الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة وأهم الإجراءات العلنية والاستعدادات التي يقوم بها جيش الاحتلال الإسرائيلي، تحسباً لأي ضربة أو عملية محتملة يمكن أن ينفذها "حزب الله" بشكل مفاجئ.
وأوضحت صحيفة "يديعوت أحرنوت" في تقرير موسع أعده مراسلها العسكري يوآف زيتون، أن "تآكل الردع الإسرائيلي، يتزامن مع زيادة الجرأة لدى حزب الله واكتشاف مواقع قتالية وتمركز قوات الرضوان التابعة للحزب أمام الحدود".
وأشارت إلى أن "صفوفاً من التلال الاصطناعية امتدت شمالاً خلف السياج الحدودي القديم مع لبنان"، منوهة إلى أن أفراد قوات حزب الله حتى عام مضى لم يكونوا هناك، لكنهم باتوا الآن ينتشرون بوضوح على خط السياج الذي يُمثل حدوداً دولية تم تحديدها عام 2000، بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي من لبنان".
الجدار الفاصل يعمل
ونوَّهت الصحيفة إلى أن "إسرائيل في كل أسبوع، وخلال الاجتماع مع اليونيفيل، تناشد بتعليم الحدود الدولية بطريقة أكثر وضوحاً وفهماً ليس فقط بالبراميل التي يمكن أن تصل المسافة بينها أحياناً إلى كيلومتر واحد أو أكثر".
وأضافت: "في الأشهر الأخيرة، جددت قوات فرقة الجليل نشاطها في هذه الأماكن، وفي الوقت نفسه، في مقر الأمم المتحدة في نيويورك، يدور نقاش رمادي هذه الأيام لتجنب الحرب القادمة مع حزب الله الذي تجرأ في هذه الأيام على الجيش الإسرائيلي".
وبيّنت الصحيفة أنّ "الأعصاب عند الحدود الشمالية متوترة للغاية"، وتابعت: "لا تمر دقيقة من لحظة توقفنا على الطريق الرئيسي الذي تحول إلى موقع بناء قرب أحد الجيوب، حتى يظهر أمامنا عنصر من حزب الله مسلح بكاميرا، ويقف بالقرب من العمود الأزرق للأمم المتحدة، وربما يخفي مسدساً في حقيبته.. إن ذلك العنصر يقف بشكل بارز ويلتقط صوراً لنا بلا توقف".
ولفتت يديعوت إلى أن "المجندات في جيش الاحتلال، يراقبن الحدود ويمسحون المناطق المنحنية والجبلية، وذلك على الرغم من وجود من الكاميرات والرادارات المتطورة التابعة للجيش الإسرائيلي"، موضحة أن "مهمة الجنود هنا متعددة، ويصعب إنجازها"، وأضافت: "هناك مسؤولية مستمرة لمهمة الدفاع على الحدود، ونشاط هندسي مخصص لكشف العديد من الدونمات في الجيوب الإسرائيلية وفتح محاور خفية في حالة الطوارئ، بالإضافة إلى تأمين الثغرات المؤقتة التي ربما تكون أكبر وأخطر نقطة ضعف تشغيلية في الحاجز القديم الذي وضع في 1976؛ سياج بائس يعتليه الصدأ، وبجانبه أقيم الحاجز الجديد الوحشي".
وفي متن تقريرها، لفتت الصحيفة إلى أنهُ "في السنوات الأخيرة، طالبت قيادة المنطقة الشمالية قيادة الجيش الإسرائيلي والمستوى السياسي، بالموافقة على تحصين كامل لـ 130 كيلومترًا بين البحر الأبيض المتوسط ومنحدرات جبل الشيخ، كما وافقت الحكومة السابقة على ميزانية ضخمة، الأمر الذي سيوفر التحصين لثلث الحدود"، وأضافت: "مع هذا، فإنه لا يتوقع أن تزيد الحكومة الحالية الميزانية، وسيكتمل العمل في غضون عامين تقريباً".
وبحسب الصحيفة، فإن "ارتفاع الألواح الخرسانية الضخمة يصلُ إلى 15 متراً على الأقل، مثقوبة من الأعلى بشكل دائري، وسيتم تثبيت مجموعة متنوعة من أجهزة الاستشعار والكاميرات المختلفة، إضافة إلى متفجرات يمكن أن تقتل أو تصيب فقط".
وكشفت الصحيفة عن وجود "إخفاقات" لجيش الاحتلال في مواجهة حزب الله خلال الأشهر الأخيرة، وكان من أبرزها؛ تسلل أحد عناصر حزب الله إلى الداخل الإسرائيلي وقطعه 70 كيلومتراً حتى وصل إلى مفترق "مجيدو" وقيامه بزرع عبوة قبل مقتله.
وبحسب الصحيفة، فإن الجيش الإسرائيلي يجدُ حتى اليوم صعوبة في فك رموز هذا الهجوم الجهنمي، معتبرة أنّ الفشل الذريع يمنع التسلل.
أزمة متفجرة
وأكدت الصحيفة أنّ "الخطأ التكتيكي تحول إلى أزمة استراتيجية، فعلى بعد 100 كيلومتر شرق القطاع الغربي الذي توغلت منه مجموعة كوماندوز حزب الله (قوات الرضوان)، استمرت ثقة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله المتزايدة في الظهور ضمن القطاعات الأخرى، وتحولت واقعة خيمة الحزب في منطقة مزارع شبعا إلى أزمة متفجرة.
ونوهت إلى أن "خيمة حزب الله تسببت بجرح كبير لإسرائيل"، موضحة أنه "رغم بعد الخيام عن البؤر الاستيطانية والمستوطنات الإسرائيلية، إلا أنها أصبحت حدثاً استراتيجياً يزيد من إضعاف الردع الإسرائيلي البالي في المنطقة".
وأشارت إلى أن "القيادة الشمالية أوصت منذ عدة أسابيع بتفجير الخيمة التي تعمل كنقطة مراقبة أمامية لحزب الله، وفي غضون ذلك، لا تزال الخيمة موجودة، وأصبحت رمزاً آخر لوعي حزب الله"، منوهة إلى أن من بين الأمور المثيرة، تمكن عدد من اللبنانيين من تفكيك كاميرات للجيش الإسرائيلي فوق سارية على الحدود، "والأسوأ، أن الجيش الإسرائيلي اكتشف هذا التخريب بعد حوالى ساعتين، وهذا ضرر آخر للردع الإسرائيلي".
وتابعت: "كذلك، وقعت حادثة أخرى غير عادية، وهي إطلاق صاروخين مضادين للدبابات على السياج المحيط، والجيش الإسرائيلي أدرك الحادث بعد فوات الأوان، ورد بإطلاق عشرات قذائف المدفعية على المناطق المفتوحة في لبنان".
ورأت يديعوت أن "إسرائيل تلعب على التوتر المتأصل بين محاولات استعادة الردع والخوف، وهي مقدمة على معركة لأيام وقد تتحول إلى حرب".
مناوشات قرب الحدود
وخلال "خطاب الوداع"، انتقد قائد لواء "769" والمسؤول عن تأمين "مزارع شبعا" و"إصبع الجليل"، العقيد سيفان بلوخ، "السياسة السلبية لإسرائيل في مواجهة استنزاف الردع"، متسائلاً: "هل تصرفنا بالطريقة الصحيحة في مواجهة الواقع المعقد والمتغير والمتطور في القطاع الشمالي في لواء 769".
وقالت: "يوم معركة في الشمال يعادل التصعيد في غزة، مثل هذا اليوم في الجنوب يمكن أن يشمل ما بين 300 و400 عملية إطلاق لصاروخ، لكن مع حزب الله، عدد عمليات الإطلاق إلى حيفا ونهاريا وحيدرة أعلى بأربع مرات، بالإضافة إلى إجراءات تتمتع بمزايا طبوغرافية ومهارة تنتشر على الحدود الشمالية.. لقد أعد الحزب خططه وحدثها لأيام المعركة هذه".
ونبهت إلى أن أحد أهم الأمور التي تقلق المؤسسة الأمنية الإسرائيلية "بشكل كبير، هو الآلاف من مقاتلي "الرضوان"، وهم قوة النخبة لحزب الله، الذين عادوا من سوريا محملين بالخبرة القتالية، حيث تم نشر الآلاف منهم في جنوب لبنان"، وتابعت: "كذلك، يقوم حزب الله أيضاً ببناء المزيد من المواقع العسكرية على طول الحدود، ويوجد أكثر من 35 موقعاً من هذا النوع على بعد أمتار قليلة من المناطق الإسرائيلية؛ بعضها أبراج مراقبة، والبعض الآخر هياكل خرسانية".
وقال ضابط كبير في جيش الاحتلال: "ما يقلقنا على المستوى الاستراتيجي هو التغيير في تصور حزب الله قبل عام ونصف بالضبط، عندما بدأ بالقيام بمجموعة من الإجراءات الفعالة، وهو اليوم في مكان مختلف تماماً عمّا كان عليه في الماضي".
وضع ملتهب
ولفتت الصحيفة إلى أن فرقة الجليل في جيش الاحتلال "ممزقة بين هدفين متناقضين تقريباً: الأول وهي كيف بإمكانها منع وقوع حادث مع خسائر لبنانية خاصة لدى حزب الله، فيما الأمر الآخر وهو كيف بإمكانها الرّد بقوة وتكون رادعاً لأي عمل استفزازاي يهدد بتحويل الحدود اللبنانية إلى بؤرة للفوضى المتفجرة، كما هو الحال في الضفة الغربية وغزة".
وبينت أنه "تم الكشف عن النشاط الأمامي للتقسيم على الحدود في الأشهر الأخيرة، بشكل رئيسي بعد إزالة غابات ضخمة، حيث يبدو أن مواقع حزب الله العسكرية الأمامية والسرية، تستعد لتوغل قوات الرضوان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وقد انتشرت الكتائب بالفعل في القرى في جنوب لبنان، بعد عودتها من سوريا".
وزعمت "يديعوت" أن "التقنيات والقدرات الإسرائيلية الجديدة على الحدود، أدت إلى مكافحة المخدرات والتهريب غير المشروع، وهذا أدى مؤخرًا إلى انخفاض كبير في حجم محاولات التهريب (في بعض الأحيان سلاح) على نطاق واسع"، موضحة أن "الحاجز الجديد ومفهوم "الجليل المحصن" الذي يتم تطويره في التقسيم المكاني، سيشملان أيضاً سلاسل من العبوات الناسفة التي ستجعل الجدران العملاقة أكثر صعوبة". (عربي21)