كتب صلاح سلام في" اللواء": تطل السنة الخامسة والأربعون على تغييب الإمام موسى الصدر ورفاقه، مثل سابقاتها، حيث لبنان مازال بأمسِّ الحاجة لرجال من أمثال موسى الصدر، يضعون مصالح البلاد والعباد فوق المصالح الشخصية والفئوية والمناطقية، ويطلقون أفكارهم الوطنية والإصلاحية في فضاء الوطن، لتنقية الهواء الملوث من شتى جراثيم الطائفية والمذهبية والمناطقية، وإشاعة أجواء من وحدة الولاء للوطن، وليس للطائفة أو للزعيم.
إنطلقت رؤية الصدر من بيئة تُعاني من الفقر والتهميش والحرمان من أبسط مقومات الإنماء الإجتماعي، بمختلف وجوهه التربوية والصحية والمهنية. فلم يرفع سيف التهديد لأمن البلد، ولم يُطلق شعارات الثأر من أصحاب الإمتيازات، الشركاء في الوطن، ولم يسعى إلى الإخلال بتركيبة النظام وتعريض الصيغة للخطر، بل عمد إلى رفع الصوت عالياً عبر «حركة المحرومين»، مطالباً بإصلاح الخلل في أداء السلطة، وإعادة التوازن إلى المعادلة الداخلية، وذلك في الحفاظ على دور الشيعة في القرار الوطني، بما يمثلون من شريحة أساسية في نسيج الوحدة الوطنية.
وتعزيزاً لفكرة الإنصهار الوطني، حرص الإمام المغيّب على أن تكون قيادة حركة المحرومين تضم شخصيات من طوائف متعددة، ومن المؤمنين بضرورة الإصلاح السياسي والإداري، لإنتشال التجربة اللبنانية المميزة، من الإستغلال السلطوي الرخيص، وتحصين الجبهة الداخلية من الرياح الخارجية، التي كانت بدأت تصوّب على الداخل اللبناني، وتعمل على توظيف التناحرات الكيدية بين القيادات الطائفية، لإختراق الجسم اللبناني، والإطاحة بأسس الإستقرار والإزدهار.
وعندما إعتكف في مسجد العاملية رفضاً لإندلاع شرارة الحرب، لاقته شخصيات مرموقة من نخب مختلف الطوائف والمناطق، تضامناً وإستنكاراً للجوء إلى العنف بدل الحوار في معالجة أزمات البلد.
ورداً على سؤال حول إطلاق «أفواج المقاومة اللبنانية» ، وتدريب الشباب على حمل السلاح، أكد أن بندقية المقاومة موجهة إلى العدو الإسرائيلي، وللدفاع عن القرى الآمنة في الجنوب، وأن أبواب حركة «أمل» مفتوحة أمام كل لبناني يريد أن يساهم في الدفاع عن أرض الوطن.
أما مسألة العروبة فكانت محسومة عنده، وغير قابلة للنقاش، لأن لبنان «بلد عربيّ الهوية والإنتماء، ولا يستطيع أن يعيش بمنأى عن الأخوة العرب».
لبنان في فكر ووجدان وأدبيات موسى الصدر هو بلد الحوار والتفاعل بين الأديان والحضارات، ونموذج فريد لتنوع الثقافات الإنسانية، المنطلقة من العقائد الإيمانية، والتي يجب أن تكون من قواعد الدولة المدنية، والتخلص من الدولة الطائفية.
تحل الذكرى السنوية لتغييب الإمام الصدر، والسؤال نفسه يتكرر كل عام:
ماذا بقي من لبنان موسى الصدر؟؟