على الرغم من أنّ هناك العديد من الدول المُؤثّرة على الإستحقاق الرئاسيّ في لبنان، وجّه الرئيس الفرنسيّ إيمانويل ماكرون إنتقاده لإيران فقط، لأنّ "الثنائيّ الشيعيّ" يدعم النائب والوزير السابق سليمان فرنجيّة، ما يضع عوائق أمام مهمّة الموفد الفرنسيّ جان إيف لودريان. ويُؤخذ على الإدارة الفرنسيّة أنّها استثنت السعوديّة من النقد، وخصوصاً وأنّ الرياض تقف على الحياد في الإنتخابات الرئاسيّة، فيما هناك أطراف تُعوّل على موقفٍ صريحٍ من قبل المملكة، كيّ تتّخذ قرارها بالإقتراع لرئيس "المردة"، أو مرشّح "المعارضة" أو خيار ثالثٍ.
وعلى ما يبدو، فإنّ ماكرون لم يُوجّه الإتّهام للسعوديّة بسبب العلاقة المتينة التي تربط بلاده بالمملكة، وأيضاً فإنّ باريس تُنسّق مع الرياض في العديد من القضايا في المنطقة، وتلك المتعلّقة بلبنان، والتي تتخطّى موضوع الرئاسة، مثل دعم اللبنانيين والجيش وغيرها من الأمور. إلى ذلك، فإنّ السعوديّة شريكٌ أساسيّ لفرنسا في منطقة الشرق الأوسط، سياسيّاً واقتصاديّاً، وحليف قديم لها، أمّا إيران، فلديها مشاكل كثيرة عالقة مع الدول الأوروبيّة والولايات المتّحدة الأميركيّة، ولعلّ أبرزها الملف النوويّ، وملف المعتقلين الأجانب في طهران، ومنهم من يحملون الجنسيّة الفرنسيّة، إضافة إلى تزويدها روسيا بالمسيّرات في الحرب الأوكرانيّة.
كذلك، فإنّ السعوديّة هي عضوٌ في الدول الخمس المعنيّة بلبنان، وقرّرت عدم تفضيل أيّ مرشّح على آخر، ودعت ولا تزال لتوافق اللبنانيين في ما بينهم، وتُؤيّد جهود وزير الخارجيّة الفرنسيّة السابق جان إيف لودريان، القائمة على جمع الكتل النيابيّة حول طاولة حوار. بينما طهران، وكّلت "حزب الله" في الإستحقاق الرئاسيّ، أيّ أنّها تُبارك وصول فرنجيّة، ولا تتدخّل في تليين موقف "الثنائيّ الشيعيّ"، والذهاب لاختيار مرشّح وسطيّ يُجمع عليه النواب من كلا فريقيّ "الممانعة" و"المعارضة".
وكما تمّ ذكره سابقاً، فإنّ إيران الدولة غير الشريكة في الدول الخمس، يبدو أنّها بالنسبة لباريس، هي من تُعرقل المبادرات، لأنّ حليفها "حزب الله" يدعم كما هي صوريّاً الجهود الفرنسيّة، لكنّهما لا يُقدّمان التنازلات المطلوبة لنجاح لودريان في مسعاه اللبنانيّ. أمّا في المقابل، فإنّ السعوديّة تركت للبنانيين حريّة إختيار رئيسهم، ولم تطلب من النواب السنّة الذين يتحمّلون مسؤوليّة كبيرة في عدم حسم الإستحقاق الرئاسيّ إنتخاب أيّ مرشّح. وفي هذا الإطار، طالبت كتلة "الإعتدال الوطنيّ" والبعض من حلفائها بضرورة إجراء حوار للتفاهم حول المرحلة المقبلة وانتخاب الرئيس، وقرّرت أنّ تكون في الموقع الوسطيّ، وعدم الإنحياز لصالح فرنجيّة أو جهاد أزعور، على الرغم من أنّ أصواتها حاسمة لإنهاء الفراغ الرئاسيّ.
وتجدر الإشارة أيضاً إلى أنّ مباحثات كثيرة حصلت بين الجانبين الفرنسيّ والسعوديّ، بما يتعلّق بالإنتخابات الرئاسيّة، وقبل توجّه لودريان إلى لبنان، كان يزور المملكة لاستطلاع موقفها، وإذا ما قرّرت تعديل رأيها رئاسيّاً. لكن بحسب مراقبين، فإنّ فرنسا تتفهّم إصطفاف الرياض الوسطيّ، وهذه نقطة مهمّة لصالح السعوديّة، أنّها لا تتدخّل في الشأن اللبنانيّ، وتترك لمجلس النواب حريّة تقرير مصيره بطريقة ديمقراطيّة، غير خاضعة للضغوط الخارجيّة.
ويقول المراقبون إنّ "الثنائيّ الشيعيّ" هو من بادر إلى الإعلان أنّ مرشّحه هو فرنجيّة دون سواه، بينما "المعارضة" تنازلت عن رئيس "حركة الإستقلال" النائب ميشال معوّض "السياديّ"، الذي كان يعتبره "حزب الله" و"حركة أمل" وخلفهما إيران تحديّاً، واختارت جهاد أزعور لما لديه من كفاءات ماليّة واقتصاديّة، كيّ يُساهم بخبرته الواسعة في صندوق النقد لانتشال لبنان من أزمته النقديّة. من هنا، يختم المراقبون قولهم إنّ حلفاء طهران يُفرّملون أيّ تقدّم، فيما "المعارضة" التي تتمسّك بالأسس الدستوريّة مستعدّة لمناقشة خيارات أخرى، تنال مباركة الدول الخمس، بما فيها السعوديّة.