أكد البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي انه " لا يوجد اي مبرر ألا يكونوا قد انتخبوا رئيسا الجمهورية منذ ايلول الماضي عملاً بالماده 73 من الدستور"، مجدداً دعوته للمجلس النيابي الى "عقد جلسات متتالية وفقاً للدستور ودون تعطيل النصاب لانتخاب رئيس للجمهورية".
وخلال مؤتمر صحافي في بيت مارون- دار الابرشية المارونية في ستراثفيلد بمدينة سيدني، قال الراعي: " نحن في اوستراليا اليوم، حيث القانون والدستور فوق كل اعتبار وفوق الجميع، اما عندنا فيتباهون بمخالفة الدستور. لذلك لا يوجد اي مبرر ان لا ينتخب رئيس للجمهورية منذ شهر ايلول الماضي اذا طبقنا الدستور".
وردا على سؤال عن رسائله المستمرة و"العالية السقف الى السياسيين ولماذا لايسمعها المعنيون"، قال: "لا احد أطرش، الكل يسمع ويطلب كلمتنا حرفياً من السياسيين الى سفراء الدول والاكيد ان اللبنانيين يسمعون، ونحن لن نسكت لان الكلمة لا تموت وستفعل فعلها في يوم من الايام .نحن نتحدث عن المبادئ ولا ندخل في زواريب السياسة ونخاطب ضمير رجال السياسة فنحن لا نسكت على الظلم".
وعن زيارته الى الجبل، قال: "الزيارة للجبل هي متابعة للمصالحة التي جرت سنة 2001 وهي مصالحة تاريخية ونهائية، وفي زيارتنا الاخيرة ركزنا على امر اساسي وهو اذا لم توجد فرص للعمل فالمسيحيون لا يستطيعون العودة، ويجب ان يكون هناك المزيد من الثقة والتطور في المصالحة وتحقيقها عملياً عن طريق فرص العمل والثقة، لان المصالحة هي مصالحة نهائية، والصداقة التي نعيشها تعزز الثقة. وعلينا ان نعزز الصداقات لكي لا يأتي يوم ويخرب كل شيء لسبب او لاخر. وهذه هي زيارتي الثالثة ، وهي كانت مع شيخ العقل الجديد وكذلك الوقفة في بعقلين وكان موضوعها ثمار المصالحة وما يرجى منها، واللقاء في المختارة مع وليد بك الذي جمع كالعادة كل الشخصيات الدرزية والمسيحية. وفي الخلاصة كانت الزيارة جيدة جدا".
ورداً على سؤال عن طرح اسماء للرئاسة، اكد الراعي "ان بكركي لا تقول "فلان" او "فلان"، فهذا ضد الديموقراطية وضد عمل المجلس النيابي. وبعد ان انسحب المرشح ميشال معوض من السباق اثر جلسات عدة، انسحب لخير لبنان ولصالح انتخاب رئيس، ونحن نقدر موقفه. وفي جلسة حزيران نال سليمان فرنجية ٥١ صوتاً وجهاد ازعور ٥٩ صوتاً ثم أوقف رئيس المجلس الجلسة وما زالت واقفة".
وسأل البطريرك الماروني: "ما المطلوب؟"، وقال: "يتحدثون في الكواليس عن ضرورة التفتيش عن مرشح ثالث، ونحن نقول لا، من اجل كرامة المرشحين فرنجية وازعور واحتراماً لمن رشحهم يجب اكمال الانتخابات في دورات متتالية ويفوز من يفوز. واذا لم يحقق احد الفوز بالاكثرية نتيجة تضيع الاصوات، حينها تفضلوا الى الحوار الذي تتحدثون عنه الان وتشاوروا حول شخصية جديدة".
واوضح انه قال للموفد الفرنسي: "لماذا لا تعقد الجلسات حسب الدستور، ولكن لا احد يسمع والبلد يموت ولا احد يسأل. نحن امام ديكتاتوريات تعبث بالبلد وبالشعب".
وعن الحوار الذي دعا اليه رئيس مجلس النواب نبيه بري، قال الراعي: "هناك لغط حول ما قلناه، وانا دائما اقول وقبل دعوة الرئيس بري ان الحوار هو في التصويت في المجلس النيابي. الحوار هو الانتخاب، والتوافق هو الانتخاب. وانا لم اقل انني مع الحوار، بل قلت اذا تم الحوار بعد موافقة الجميع عليه، والمجلس النيابي اليوم في حالة انتخابية، وفي الانتخاب يتحاورون".
وبالنسبة لتعليم الطلاب وادخال امور ضد تعاليم الكنيسة في المواد التعليمية، قال: "لقد جلب لنا وزير التربية مناهج احلناها للامانة العامة للمدارس الكاثوليكية للنظر فيها، اذا كان فيها شيء من هذه المواد، وهذا الموضع في عهدتهم ولم نناقشه مع الرئيس ميقاتي، وانشأنا لجنة من المطارنة لدراسة الموضوع من جميع النواحي وسنصدر وثيقة رسمية لكل ابناء كنيستنا حول هذه المواضيع".
ودعا "الاهل الى السهر على تربية اولادهم عن قرب لكي نحمي اجيالنا من الافات الجديدة".
وعن خطر النزوح السوري على لبنان وكيانه وهويته، قال: "عليكم إقناع السلطات المحلية في الدول التي تتواجد فيها جاليات لبنانية بضرورة السعي الى معالجة هذه القضية، لأن لبنان يتحمل وزر أعباء هائلة على المستويات كافة جراء وجود مليونين من النازحين السوريين أي ما يعادل نصف سكان لبنان. هذا النزوح يمثل أكبر خطر اقتصادي وأمني وثقافي وسياسي وديموغرافي، بينما المجتمع الدولي يرفض الإصغاء الى مطالب لبنان ويردد نفس الكلام".
وقال: "انه موقف سياسي يراد منه اطاحة النظام في سوريا، ولذلك يرفض الإتحاد الأوروبي مساعدة النازح السوري داخل سوريا ويصر على مساعدته في لبنان، ما جعل لبنان وحده يدفع الثمن".
اضاف: "يتعين علينا إقناع المجتمع الدولي بأن لبنان لا يقدر ان يستمر ويتحمل هذه العبء الكبير. وليست هذه هي الطريقة التي يتم بها مكافأة لبنان لإستقباله النازحين كعمل انساني".
وردا على سؤال عن مصير لبنان في ظل هذه الأزمات، أجاب الراعي: "وطننا لبنان هو قيمة حضارية وهو رسالة ونموذج للشرق والغرب ومسؤوليتنا المحافظة عليه مهما كلف الأمر. وأنا أعتقد انه بفضل اللبنانيين في الإنتشار باتت الدول تحترم لبنان".
وتابع: " نحن نمر في مرحلة صعبة للغاية، ولكنها ستنتهي عاجلاً ام آجلاً. يجب ان نحافظ على تضامننا وتراثنا وارثنا والوحدة الداخلية التي تجمعنا، لأن ما أضعفنا جاء نتيجة التشرذمات الداخلية، ليس فقط على المستوى المسيحي وانما على المستوى كل لبنان الذي جعلوه مجموعة طوائف تتنافس على الحصص. هذا ليس لبنان الحقيقي. لبنان الحقيقي هو الذي رسم سياسته البطريرك الحويك في مؤتمر فرساي في باريس سنة 1920 ليكون الإنتماء الى لبنان عبر المواطنة لا عبر الدين. فأنا لبناني ثم مسيحي ماروني وليس العكس. ولبنان دولة تحترم الله، والبرلمان اللبناني لا يشّرع أي شيء يناقض الشريعة الألهية. لبنان يحافظ على الجميع ويوفر الحقوق للجميع مثل الفسيفساء، تعددية في الوحدة وانفتاح على كل الثقافات والدول وإقرار بكل الحريات التي تنص عليها شرعة حقوق الإنسان. ولبنان البلد الوحيد في الدول العربية الذي وقّع شرعة حقوق الإنسان. لبنان أرض الحريات وليس الفوضى".
وتناول البطريرك الراعي اتفاق الطائف، فقال: "مشكلتنا ان اتفاق الطائف لم يطبق كما يجب لا بالنص ولا بالروح. وهكذا أصبحنا من دون سلطة قادرة ان تحسم لا رئاسة الجمهورية ولا رئيس الحكومة، وبات القرار للحكومة مجتمعة ولذلك عمت الفوضى. المطلوب الجلوس والبحث في جوهر المشكلة، ولهذا أدعو الى عقد مؤتمر دولي خاص بلبنان ليطبق الطائف وتنفذ قرارت مجلس الأمن 1559 و1680 و1701 التي تختص بسيادة لبنان وترتبط بالطائف. والعمل ايضاً على حل قضية النزوح السوري وتثبيت هوية لبنان الأساسية بالحياد الإيجابي الذي يرسّخ لبنان كأرض تلاقي الثقافات والحضارات".
وعن الفدرالية التي ينادي بها البعض، قال: "ان فلسفة لبنان هي ان نعيش معاً كمسيحيين ومسلمين، وعلينا ان نكون واقعيين إذ لا يجوز عند كل صعوبة ان تطرح الفدرالية كحل بديل. اتفاق الطائف ينص على اللامركزية الإدارية، فلنطبقها. من قال اننا لا نستطيع العيش معاً، لا بل بالعكس ان انفصالنا عن بعضنا البعض كمسيحيين ومسلمين سيؤدي الى انهيار لبنان. نحن بلد متنوع ولكن بوحدة. لنبدأ بتطبيق اللامركزية الإدارية التي تلزم الجميع بدفع الضرائب والرسوم بشكل منصف".
وفي الختام، دعا البطريرك الراعي السياسيين في لبنان الى "التروي والتعقل والتفكير بمصلحة لبنان ككل"، مناشداً "المنتشرين اتخاذ المواقف الرافضة لتشرذم لبنان".