عادة ما يحتفي لبنان بالايام العالمية المصنفة على لائحة طويلة للأمم المتحدة، كونه جزءا من الخارطة الدولية وسبق أن وقع على كثير من الاتفاقيات والمعاهدات، حتى وإن كانت مجرد احتفالات استعراضية او للحاق بموجة التصديق على مقررات وتوصيات معينة تتعلق بهذه الايام.. فهل تتخيلون أن لبنان يحتفل باليوم العالمي للاعنف الذي يصادف في 2 تشرين الاول من كل عام؟
هو يوم دولي أقرته الامم المتحدة كمناسبة لنشر رسالة اللاعنف، عن طريق التعليم وتوعية الجمهور. وتم اختيار تاريخ 2 تشرين الاول لانه يصادف ميلاد المهاتما غاندي، زعيم حركة استقلال الهند ورائد فلسفة واستراتيجية اللاعنف.
لا انسانية
وفي لبنان الذي يعاني جحيمًا "اخلاقيا" وندوبا مخفية سببها جرائم نُفذت تحت عنوان العنف المسيطر على النفوس، ينزلق كثيرون في مستنقع بعيد عن الاخلاق والمبادئ، حتى تجردوا من كل معاني الانسانية، فبتنا نسمع عن جرائم تنفذ بعقلية اجرامية لا ترحم، وكأننا في غابة او ابطال من مسلسل "10 عبيد صغار" لا نعرف متى يحين دورنا.
هو العنف المتنقل واللانسانية التي استشرست في نفوس كثر في الاونة الاخيرة. يربط علم النفس الجرمي احيانا ارتفاع معدل الجريمة مع ارتفاع نسبة الفقر والاوضاع الانسانية والظروف المحيطة التي يعيشها كل مواطن. وربما دون الحاجة الى الغوص في تعريفات النزعة الجرمية، يكاد البعض يتفق على انّ نفوس البشر قد تغيرت، فأصبحنا نميل الى العنف ربطا بكل التوتر والتشنج والضياع الذي نعيشه، وما ينتج عنها جميعها من استسهال لفعل ارتكاب الجريمة.
سجلات امنية
وببساطة، تحفل السجلات الامنية بمعدل شبه يومي بجرائم متنقلة بين المناطق، بين من دسّت السم لزوجها بـ"الملوخية"، ومن قُتل ذبحا بعد طعنه بعدد كبير من السكاكين، وغيرها من الحوادث الامنية المسجلة وغير المسجلة، والتي تؤكد فرضية انّ العنف يولد العنف، واستسهال الجريمة اصبح عادة.
كما غريزة الحياة والموت، البناء والتدمير، يتحدث الاختصاصي في علم النفس العيادي حسين حمية لـ"لبنان 24" عن توصيف الحالة العدوانية انطلاقا من العام كتعريفات علمية، والى الخاص بما يتعلق بالوضع في لبنان، إذ تعرف العدوانية كونها السلوك الذي يقصد من خلاله التسبب بالاذى الجسدي واللفظي وغير اللفظي مع تبييت القصد بالأذية.
يقول حمية: "العدوانية بحسب مدرسة التحليل النفسي وبمفهوم الطبيب سيغموند فرويد تحديدا هي نوع من الغريزة والنزعة الفطرية التي تولد مع الانسان، مثل غريزة الموت والحياة، البناء والتدمير.. وبالتالي نزعة الانسان نحو العداونية هي نتاج الطاقة الفطرية الكامنة لدى الانسان والتي تعبر عن نفسها امّا بالتوجه الى الخارج بشكل ايجابي او التوجه نحو الاخر بهدف الأذى. وهنا اصل النقطة محور حديثنا".
تعزيز العدوانية
وحتما هناك عوامل عدة تساهم في تعزيز منحى السلوك العدواني نحو الاسوأ، فتغذيه بجملة من الاهداف المؤذية. وبحسب حمية: "مثل الحب والكره، وهذه متلازمات مرتبطة ببعضها البعض، فكلما زادت واحدة منها نقصت الاخرى. وبالتالي بحسب المدرسة السلوكية بعلم النفس التي تنظر الى العدوان على انّه سلوك مكتسب، فثمة ما يغذي الحب والكره على حد سواء، فيصبح السلوك مكتسبا من خلال البيئة او النواة الاولى او الاسرة. وهنا نعود الى النقطة الاولى وهي ميل الانسان نحو العدوانية".
ويكمل حمية: "اضافة الى العوامل المغذية او المشجعة للعنف، هناك العدوان المبرر مثل الدفاع عن النفس، وهذه ايضا تصرفات مرتبطة بمعايير دينية معينة او اخلاقية لدى مجتمعات معينة، كالدفاع عن الارض، فثمة من يبرر قتل الاخر بهدف الدفاع عن ارضه. وهنا ندخل في التوصيف الى الواقع اللبناني، فثمة من يبرر السرقة اليوم بالازمة الاقتصادية، فتسمع احدهم يقول: "متل ما سرقوني بدي اسرقهن".
الكوب الممتلئ
ويضيف حمية: "حتما لا يمكن ان نحيد الواقع اللبناني الصعب عن الاحداث الامنية التي تحصل، فكلما عانى الفرد من ضغوط معينة، كلما كان اكثر ميولا نحو العصبية والانفعالية، لانه يكون وصل حد الانفجار نتيجة الظروف تماما كما الكوب الممتلئ. يكفي ان تنزلوا صباحا الى الشارع وتشاهدون معالم الغضب على وجوه الانسان، هذا الغضب الذي ينفجر في اي لحظة ويتحول الى مشكل او خلاف يصل احيانا الى حد الضرب والقتل".
ومع غياب الروادع الامنية والضوابط الاخلاقية، حتما ستزيد نسبة الجرائم، ونبتعد اكثر فأكثر عن كوننا مجتمع يميل الى اللاعنف، ونصبح مجتمعا غاضبا لا يحتاج الى شرارة لاشعاله. فما المطلوب لكي يكون الانسان اكثر هدوءا وباحثا عن السلام؟
ادارة الغضب
يتحدث حمية عن منظومة مكتاملة من العوامل المساعدة، ومنها "دور الدولة والقوانين والعقاب، كي لا يكون هناك استسهال للجريمة وتشريع غير مكتوب للسياق العنفي. امّا على مستوى الفرد، هناك مجموعة من التوصيات للاهتمام بالصحة النفسية، وتعلم ادارة الغضب كسبيل اول الى الهدوء النفسي، وهذا قد يتطلب في بعض الحالات اللجوء الى العلاج المختص. وكذلك يمكن للفرد اللجوء الى بعض النشاطات للتنفيس عن الغضب مثل الرياضة او الترفيه او اي نوع من النشاطات التي من شأنها ان تريح الجسم وتقلل الغريزة العدوانية بحسب اهتمامات كل شخص".
ويؤكد حمية ضرورة عدم اهمال الجانب الروحي، والتفكير بطريقة ايجابية والبحث عن هدف ومعنى لوجود الشخص، "وتبقى النصيحة الاهم تعلموا ادارة تقنية الغضب عن طريق الاستبدال، وحاولوا استبدال كل ما هو خطأ وانفعالي وعصبي بما هو اكثر هدوءا وانضباطا.. والا سنبقى مجتمعا منغمسا في العنف اكثر فأكثر".