كتب وزير الشباب والرياضة جورج كلاس مقالاً تحت عنوان: "إعلام الحرب والسلام، والحق بالقدس"، وجاء فيه:
لأن القدس قِبلة المؤمنين و مرتكز اهتمامات الاديان السماوية ، فإن أيَّ فعل جهادي و تحريري لأرض فلسطينية يعتبر ًخطوة أولى نحو القدس ذاتها. وتتشكل تحدياتُ إرساءِ قَواعِدِ إعلام النصرِ و بناء السلام في زمن النزاعات ، بالإستناد الى حالة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ، إحدى اساسيات إستراتيجيات الإعلام السياسي الحديث ، حول كيفية الإنتقالِ المرحلي من إعلامِ الحرب الى إعلامِ الهِدْنَةِ فإعلام النصرِ و السلام ، بهدفِ الوصول الى حالةٍ سلامية يكون الإعلام أبرزَ أُسُسِها ، من حيثُ هي ضرورة مُجتمعيَّةٌ إنتقالية بين حالتي الاحتلال و المقاومة ، و نموذج إنساني عام يُبنى عليه لإستشرافِ المراحل المستقبلية بعيداً عن الفُجائِيَّات و محاولات الإستهداف غير المُتَوقَّعة في حروب قتالية ذات حركية غير كلاسيكية.
إنَّ أبرز التحديات التي يواجهها إعلام السلام في مرحلة ما بعد النصر وتحرير الأرض و إستعادة الحَق ، هي ان يبقى على جهوزية قصوى تحرص على تحصين الحالة السلامية ، ببُعْدِها التصالحي المتوازي ، مسؤوليةً وإسهاماً ميدانياً . فضلاً عن الجهوزية الإستعدادية الدائمة ، للتَصَّدي لأي مُحاولةٍ إستفزازيَّة قد تَطرأ ، إختراقاً لوضعيةِ التوافق على شروط السلام بكل مندرجاتها و تمتين أصول التوافق بين المتفاوضين للإنتقال من السلام المرحلي الى حالة السلام الدائم تأسيساً على نتيجة النصر المُحَقَّق . و يتلازم ذلك مع الحرص على وضع إستراتيجية صلبة لبناءاتِ إعلام السلام ، مَنْعاً لأيِّ إهتزازاتٍ مُفَاجِئَة ، و تصدياً لمحاولات إفتعالِ أحداثٍ على هامش الهدنة السلامية ، لزعزعة الأمن الاعلامي والنيل من نتائج النصر، اضافة الى التحوُّلُ التدريجي من إعلامِ النِزاعَات و ما يَسْتَتبعهُ من تبدُّلٍ مرحلِيٍّ في الاهداف الميدانية لإعلامِ الأزَمات ، إرتقاءً للوصولِ الى حَالات عقلانيةٍ للتعاطي الواعي مع فنيَّةِ الصورة و حِرفيَّةِ الكلمة و رصانة الرأي تحصيناً للسلم العام إنطلاقاً من إعلام السلامِ . و لا يخرج ذلك عن إتباع خطة اعلامية منهجية للتركيز على الشحن الشعبي و المعنوي و التعريف الدائم بالحق ، بعيدا عن التضخيم و التضليل ، بالتوازي مع وضع استراتيجية للتصدي لإعلام العدو ، وفق رؤية إستباقية متحركة تتزامن مع مخاطر و تطورات كل مرحلة من مراحل النزاع.
حَفَّزتني حالة التضافر الثقافي والشعور بالإعتزاز القومي العربي في إحتفالية صمود غزَّة و مجابهتها للإحتلال ، لأن أُعطيَ تَقويماً خاصّاً للحالة الاعلامية التي واكبَتْ مراحل ( عملية الطوفان) و رافقَتْ ماجريَّاتِ المعركة و نتائجها و قدَّمَتها للناس بِحِرَفيَّةٍ إعلامية راقية و مسؤولة ، وذلك بالإرتكازِ الى منظورٍ ثلاثيِّ الأبعاد كَوَّنتُه من خلال خبرتي في مجال النقد الاعلامي و تفكيك النصِّ الخبري و تحليل الصورة الفيلمية و مضامينها:
أ-البُعدُ القومي ، و تأثيراتِ عملية المباغتة و تحقيق النصر على المعنويات،
ب- البُعدُ الايماني و القومي و الوطني ، و ما تعنيه فلسطينُ والقدسُ تحديداً ، للأديان السماوية،
ج-البُعدُ الإعلامي ، وكيفية الانتقال من عملية المقاومة بالإعلام الى إرساء قواعد إعلام النصر ، تمهيداً لتأسيس قواعد إعلام السلام ، الذي يمهد لقواعد جديدة من النضال والحفاظ على الحق وتحصين النصر بثوابتَ إعلامية ذات إستراتيجياتٍ صلبة و واضحة ، تتطلبها مرحلة مابعدَ الصمود و تَقعيدِ أسس النصر المَرحَلِيِّ وتركيز دعائم الإنتصار النهائي.
لقد تفاعلتُ شخصيّاً مع هذه المقاربة الاعلامية إنطلاقاً من ركيزة مَفهومِيَّةٍ قاعدتُها ، أن فلسطين هي أرض الأديان الربَّانيَّة و عاصمة الإيمانيات السماوية ، وليسَ لأحدٍ أنْ يَدَّعي مُلكِيَّتَها و توارثَها و تَوْريثَها أو إحتكارِ بركاتها و محاولة وَضعَ اليَدِ لا عليها و لا على مُستَقبلها.
اللَّافتُ في مشهدياتِ الحرب الأخيرة بين غزَّة و اسرائيل أن ميدانياتِ القتال و مجالاتِ التقاصفِ التبادلي، من خلال ما ظهَّرَتْهُ وسائل الاعلام ، أرست قواعد جديدة في تاريخ الحروب العربية الإسرائيلية . بمعنى أن التدامُرَ المُتزامِنَ بين لامُتَكافِئَيْنِ أثبتَ صحة إستراتيجية الإستبسال الإيماني والعناد الوطني بالدفاع عن الأرض و العِرْض ، من منطوق أن مَنْ يخسرُ أرضه يخسر إيمانَه ويكون غيرَ مُستحِقٍّ لا لهُوِيَّتِهِ ولا لتُراثه و لا أن يكون إبنَ إيمانه و غيرَ مُؤَهَّلٍ لأن يكون من أبناء الغدِ و لا من أهل الحرِّيَّة.
إن نجاح الاعلام بخَوضِ معركةِ الدفاعِ عن غزَّة ، في ما قدمه من مواكباتٍ لحظويةً للوقائع و ترويجاً إندفاعِيَّاً للنصر ، أكَّدَ و بالقُدراتِ القليلة التي يمتلكها هذا الإعلام على قناعَةٍ مُفادُها إِنَّما النصرُ لِلحَقِّ أبداً ، بعيداً عن الإدعائيَّةِ و الإعتدادِ بهذا الحَقِّ.
و عنصرا الدفاع عن الحقِّ كما الإنتصارُ بالحَقِّ ، ظهَرا جَلِيَّاً من خلال تركيز إعلام المرحلة على مستويين من الحَقِّ ، في المجال القتالي الميداني و على مدى الفضاء الإعلامي المفتوحِ على تحديَّاتٍ كَثرَتْ فيها التَشَّعباتُ و المُزايداتُ والتدخُلات:
أ- المستوى الأول من الحق ، هو الحق الفلسطيني كقضية محوريَّةٍ سياسيَّةٍ و قَوْمِيَّة ، غير خاضعة للإبتزاز ولا للتنازل ولا للإذعان،
ب- المستوى الثاني ، هو الحَقُ القُدْسِي ، كقضية روحية ايمانية وانسانية تعني كلَّ الكِتابيين وأبناءَ الديانات الإبراهيمية.
وهذان الحَقَّان هما انتصاران مُتكاملانِ ، لا يقتلهما زَمَنٌ ولا تغتالهما مؤتمرات تقسيمية ولا تقوى عليهما مؤامرات مجزرية و لا نيات أوْ قرارات ابادية.
هذا النصر الجهادي الذي نجح الإعلام بتظهيره بإحترافيةٍ وإلتزامٍ بالقضية ، هو فعل لٌ تمجيدي لإنتصار إرادة الدَّم على صواريخ التدمير و سلاح الشرِّ ، كَعَتبةٍ لإستكمالِ التحرير و حمايةِ عِرضنا الروحي و إستعادة المقدَّسات المسيحية والإسلامية.
وهذهِ ركيزة أساس في رسمِ إستراتيجية تحرُّكٍ روحي إيماني و إنساني عام يساعد على تظهير النصر الميداني و حُسنِ إستثمارهِ في وسائل الاعلام ، بما يتوافق وظروف الانتصار و نتائجه و إستشراف ما بعدَ الإنتصار و ضرورة متابعة ما بعدَ الصمود والنصر في المحافلِ والأندية الدولية ، دفاعاً و شرحاً وإستثماراً للإعلام في السلام.
إنَّ مَقتَلَةَ فلسطين ، هي عندما يصورها بعضُ الإعلام على انها قضية بعضِ العرب أو بعضِ المسلمين ، مع تجاهلٍ قَصدِيٍّ و تجهيلٍ عَمْدِيٍّ لعلاقةِ المسيحية بفلسطين و معنى فلسطين و دلالاتها الروحية لهم ، من حيثُ أنَّها الأرضُ المقدسة ، وِلادَةً و مَهْداً و بُشرىً و صَلْباً و آياتٍ و قيامةً و صعوداً و عنصرةً دائمة ، مع تسليمٍ نَوْمِيٍّ أوْ تَغفيلٍ جَهْلِيٍّ ، من بعْضِ المسيحيين ، دُوَلاً و مرجعياتٍ و جماعات ، باتوا يعتبرونَ أن أرضَ المسيحية أضحَتْ مَحَجاً سياحياً ، يكتفون بزيارتها من دون ان تكون مُرتَكَزَاً إيمانياً أساسيًا لهم.
والخوفُ كلُ الخوف، أَنْ يأتيَ يومٌ تَفْرغُ فيه أرضُ المسيح من المسيحيين ، إِذَّاكَ لَنْ ندري ماذا سَيَحُلُّ بالمُقَدَّسات و لا كيف يكون إرتباطُ كنائس العالم بأرضهم الإيمانية المسلوبة !؟ و لا بماذا سيشعر المسيحيون عندما تصبحُ كنائسُ القدسِ أشبَهَ بِقنصلياتٍ تمثيليةٍ لمذاهب مسيحية مُغَرَّبة و مُغْتَرِبَة و مهاجرة أوْ مُهجَّرَة من أرضها ؟ وهذا ما لَنْ نرتضيهِ ولن نسمحَ به ، قناعةً أننا أبناء الأرض و أهلها.
ان مِحوَر إنشغالِ الوجدان المسيحي المشرقي و عُمْقِيَّاتِ تفكير الهَمِّ الانساني العام و مركزية تطلُّعاتنا اليوم هو : كيف نُنتجُ موقفاً إعلامياً مركَّزاً ، يعرفُ كيف يخاطبُ الغربَ المسيحي ، دولاً و شعوباً وجماعات ، من خلال تعريفهم بالمسألة الفلسطينية ، كَحَقٍ قومي و وطني وروحي ، و العمل الستمرِّ لتحريضهم و دفعهم للتشارك والتفاعل مع القدس والانتصار للحق والدفاع عن الحقوق الانسانية والوطنية لأهل البلاد و أصحاب الإيمان و أهل الارض وأبنائها.
إن السُبُلَ مُتاحَةٌ أكثرَ اليوم لتقعيدِ أُسُسِ إعلامٍ النصر و ترسيخ بناءاتِ إعلام السلام ، الذي ينطلق من مُقترَحٍ طوباويٍّ ، هو أن تكون القُدسُ مدينة الله و عاصمة الأديان الربِّيَّة.
و لَيسَ هَمُّنا أن نسأل فقط كيف عليْنا أن نستعيدَ القدس ؟ بل أن نعمل و نسأل كيف نُعيدُ الله الى القدس؟
وهذا محورُِ إنشغالاتِ إعلام السلامِ الذي يتطلَّعُ الى قابلِ الأيامِ و إنتظاراتها ، من منظورٍ يحملُ رَجاءاتٍ كثيرةً ، و يتذكَّرُ دَوْماً عتيق الأيام بإنكساراتها و خيباتها و نضالاتها و إنتِظاراتها ونجاحاتها وإنتصاراتها ، بما يُحَفِّزُ على بِناءِ رؤية مستقبلية نتَطلَّعُ معاً الى تحقيق بنودها ، و أن نحلمَ بِرؤيا إفتراضية نستشرف معها المُستَقبَلَ ، مُتحَضِّرينَ بجهوزية تامة لِكلِّ مُفاجاءاته بالأَسوَدِ و الأبيض و بكلفة الدم.