أشبع مسؤولو حزب الله على مستويات مختلفة الرأي العام ووسائل الإعلام والمعنيين شرحا لموقفهم تجاه الجبهة المفتوحة مع العدو الإسرائيلي على الحدود الجنوبية مع فلسطين المحتلة، ويقوم هذا الموقف على عناصر عديدة وهي: أولا إن ما يجري هو مؤازرة لغزة. ثانيا المعركة تدور ضمن قواعد اشتباك تقتصر على أهداف عسكرية وفي عمق جغرافي محدود لا يتعدى الكيلومترات.ثالثا المواجهة مفتوحة في الأفق ضمن أسقف متحركة تبعا للتطورات التي ستبلغها المعركة في غزة.
في هذه المواجهة يتعرض حزب الله إلى موجتي ضغط متناقضتين، الأولى يقودها معارضو الحزب في الداخل اللبناني من قوى 14اذار وامتدادتها والتي تضغط على الحزب لعدم توريط لبنان بأي مستوى من مستويات المواجهة مع إسرائيل. الثانية تعبر عن جمهور عريض في العالم العربي والإسلامي وتحديدا الفلسطيني التي تطالب الحزب بفتح الجبهة على مصراعيها والدخول في حرب شاملة مع العدو الإسرائيلي.
لكن يبدو لغاية اللحظة، أن حزب الله يتحرك على موجته الخاصة ووفقا لحساباته وقراءته الشاملة للمشهد المحلي والاقليمي، ومن منطلق تقديراته الاستراتيجية لمسار المواجهة مع العدو الإسرائيلي ومن موقع الإدراك العميق للظروف اللبنانية والتعقيدات التي تحيط بالساحة اللبنانية. ويعتبر حزب الله، كما يفهم من تصريحات مسؤوليه والأوساط المقربة منه أن ما يقوم به شديد الأهمية، إذ أنه أدى فعلا إلى إشغال واستنزاف القوات الاسرائيلية حيث فرض على قادة العدو نشر ثلاث فرق(عشرات الالاف الجنود) في شمال فلسطين المحتلة ودفع بهم إلى إجلاء ما يفوق المئة ألف مستوطن، كما أنه عطل دورة الحياة الصناعية والزراعية والسياحية، فضلا عن أنه دمر بحسب تصريحات الإسرائيليين أنفسهم قرابة ال 70 في المئة من القدرات التقنية الإسرائيلية المخصصة للرصد والمراقبة والتنصت، فضلا عن الخسائر الجسيمة على مستوى الأفراد والتحصينات، وهو قدم حتى الآن ما يزيد عن خمسين شهيدا من مقاتليه وهو ما يعتبر ثمنا باهضا.
على الرغم من ذلك، لا تقفل تصريحات الحزب الباب على احتمال تداعي المواجهات الميدانية إلى ما هو أخطر من ذلك، دون أن يفصح بالضبط ما هي الخطوط الحمراء أو الشروط الضرورية التي ستفرض على الحزب الانتقال من مرحلة المواجهة في إطار قواعد الاشتباك إلى المواجهة المفتوحة.
إن الغموض المتعمد، يبدو ضروريا للضغط على أميركا وإسرائيل لعدم الذهاب بعيدا في حرب غزة، علما أن كلا الطرفين يتصرفان في غزة من دون الاكتراث لاي ضغوطات يهدد بها الحزب أو تمارسها قوى دولية مختلفة.
السؤال الكبير الذي يشغل بال المعنيين دوليا واقليميا ومحليا هو مقدار احتمالات التداعي تجاه الحرب الشاملة، ففي التقديرات التي يكاد يجمع عليها الجميع أن لا أحد من القوى المنخرطة في الصراع يريد أن يصل الى هذه المواجهة، ولهذا فإن هذه القوى تسعى لابتكار أدوات بديلة تشكل تصعيدا في الصراع وفي تشديد وسائل الضغط من دون أن تؤدي إلى الانفجار الشامل. وهذا ما يمكن فهمه من الدخول اليمني على خط المواجهة، إذ أن الحوثيين الذين أعلنوا رسميا في معركة غزة بدأوا يطلقون صواريخهم الباليستية ومسيّراتهم البعيدة المدى تجاه الأهداف الإسرائيلية لكن من دون أن تتمكن هذه الصواريخ والمسيّرات من أحداث أي تغييرات تذكر في المشهد العسكري ومن دون أن يبادر الإسرائيلي إلى الانخراط في مواجهة كبرى مع الحوثيين خوفا من التداعي الخطير في البحر الأحمر وفي الممرات المائية عبر باب المندب. وفي السياق ذاته يمكن فهم الاستهدافات التي طالت القواعد العسكرية الأميركية في العراق وسوريا.
أما رد الفعل الإسرائيلي في الجبهة الشمالية فيفهم منه أن العدو يسعى ما أمكن لإبقاء المواجهة مع حزب الله في حدودها الراهنة من دون الانزلاق إلى ما يؤدي إلى توسعها، ولا يخفى بأن موقف واشنطن الذي ترافق مع ارسالها حاملتي الطائرات الى البحر المتوسط، وكبار الجنرالات إلى تل أبيب، إنما هو منع توسع الجبهة وردع القوى التي قد تفكر في ذلك، وضبط موقف إسرائيل من أن يجنح في هذا الاتجاه.
لكل هذه الاعتبارات ، فان الارجحية هي لوجهة عدم الذهاب إلى حرب شاملة ومفتوحة من دون أن يعني ذلك عدم التصعيد المحسوم والمدروس. وتبقى نقطة الارتكاز الأساسية في كل ما يجري، سعي اسرائيل الى تحقيق إنجاز قابل للتسويق في ساحتها الداخلية، تحت عنوان القضاء على حماس ومنع العودة إلى الوضعية السابقة للسابع من تشرين الأول، علما أن النقاشات التي تجري بين إسرائيل وأميركا من جهة والأطراف الإقليمية المعنية(السعودية، قطر، مصر، وتركيا) والسلطة الفلسطينية من جهة أخرى، تنصب على البحث عن صيغة لإدارة القطاع لا تترك لحماس حرية إدارته كسلطة أو للحفاظ على بنيتها العسكرية وإعادة ترميمها، هذا بالإضافة إلى اهتمام دولي كبير في الأوساط الأوروبية والأميركية والعربية ولدى بعض الشخصيات الإسرائيلية إلى أنه لم يعد ثمة من مخرج لتلافي التداعيات المتفجرة التي أصبحت تهدد الاستقرار الإقليمي برمته إلا بالعودة إلى خيار الدولتين كحل سياسي للقضية الفلسطينية، وهذا يستلزم ضغوطات دولية كبيرة على إسرائيل وإنهاء للحياة السياسية لبنيامين نتنياهو وهذا ما بات مرجحا في الأوساط السياسية الإسرائيلية .