كتب جورج شاهين في" الجمهورية": بعد ساعات قليلة من وصول الموفد الرئاسي الأميركي عاموس هوكشتاين الى تل أبيب، وصل وزير الخارجية الايرانية حسين امير عبد اللهيان الى بيروت في مهمّة قد تكون متشابهة. وهو ما التقى عليه الرجلان بلغتين فارسية وأميركية، في اشارتهما ومعهما الناطق باسم البيت الابيض الى "تحقيق الأمن في المنطقة وعدم توسيع رقعة الحرب". وكل ذلك من اجل ان تنسحب "هدنة غزة" على جنوب لبنان. وعليه، كيف يمكن تفسير هذه المعادلة؟
تنصح مراجع سياسية وديبلوماسية واستخبارية، أنّه وعند إجراء اي مقارنة بين ما يجري في غزة وما شهدته ساحات المواجهة المماثلة، وتحديداً عند استعراضها لتاريخ المواجهات الاسرائيلية ـ الفلسطينية وحتى العربية وما رافقها وصولاً الى عملية "طوفان الأقصى" التي قلبت كثيراً من الادوار والأحجام وغيّرت من مجرى وشكل الحروب التقليدية ونهاياتها بين الأطراف المتنازعة منذ اكثر منذ سبعة عقود من الزمن ونيف.
وعليه، فإنّه وطالما انّ لكل مقام مقال، يجدر بالمراقبين والمحللين السياسيين ان ينظروا الى الواقع الجديد، الذي تعدّدت فيه القوى والاطراف التي لعبت ادوارها على الساحات المختلفة الفلسطينية منها والاسرائيلية والإقليمية والدولية، في ظل غياب الرجال الكبار في المحافل الدولية الكبرى، التي كانت قادرة على حسم كثير من كل أشكال النزاعات السابقة بطريقة ملتبسة أبقت الزغل في كثير من المواجهات تحت الجروح الى ان تفتحت وتورمت في وقت لاحق، لتتحول نزيفاً قاتلاً. ذلك أنّه لم يعد هناك من هو قادر على حسم اي معركة من طرف واحد لتكون له الغلبة كاملة.
لا بدّ من الاشارة الى الجهود المصرية القطرية والاميركية التي توحّدت في جهد استثنائي غير مسبوق اعلنه البيت الأبيض، عندما كشف عن اتصالات الرئيس جو بايدن برؤساء هذه الدول يومياً توصلاً الى هدنة الأمس، فتراجعت الرؤوس العسكرية الحامية لتعطي فرصة للمعالجات السياسية والانسانية. وان توقف المراقبون أمام ما انتهت اليه هذه المساعي ظهرت الأدوار المخفية التي لعبتها دول اخرى تتقدّمها طهران. وهو ما ترجمه وزير خارجيتها حسين أمير عبد اللهيان بزيارته الخاصة والاستثنائية لبيروت بعد ساعات قليلة من وصول هوكشتاين الى تل ابيب مرددين "اسطوانة واحدة" بلغتين فارسية واميركية تدعو الى لجم الحرب ووقف اي مشروع لتوسيعها في اتجاه لبنان او اي جهة أخرى.
وما زاد من الاقتناع أنّ كلاً من هوكشتاين وعبداللهيان قد لعبا كل على ساحته الدور عينه، وخصوصاً عندما توجّه عبد اللهيان مباشرة من بيروت الى الدوحة، حيث المطبخ الرئيسي للتفاهمات الاسرائيلية - الفلسطينية، وحيث تُبرمج عملية تبادل الرهائن والاسرى والمعتقلين بين المنظمة واسرائيل بدقائقها. عدا عمّا سيلاقيها من جهود الإغاثة للفلسطينيين على مساحة القطاع من دون تمييز بين شمال وجنوب، وهو ما اوحى بوجود تفاهمات اميركية ـ ايرانية محتملة كانت تجري فصولها بالتوازي مع جهود ضبط الوضع على الجبهة اللبنانية كما اليمنية، في انتظار ما قد تنتجه مساعي تمديد الهدنة لتتحول مسلسلاً يؤدي الى التهدئة تمهيداً للبحث في اليوم الاول للقطاع بعد الحرب.
ولا تستبعد المراجع العليمة، أن يبدأ البحث جدّياً، في ما يعني الملف اللبناني. وإن عاد الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان وقبله او بعده وزير الخارجية الاميركية انتوني بلينكن الى بيروت، تكتمل الصفقة لإعادة تكوين السلطة بتقصير مهلة خلو سدّة الرئاسة وانتخاب رئيس للجمهورية.