مع توالي تردّدات صدى دوي القذائف التي تستهدف القرى الجنوبية الحدودية، وما يقوم به "حزب الله" من عمليات تطال قوات العدو في العمق الإسرائيلي، يضع اللبنانيون الذين يستعدّون لاستقبال سنة جديدة أيديهم على قلوبهم. فالمعلومات المتداولة غير مطمئنة. تل أبيب مصمّمة، سواء بغطاء أميركي أو من دونه، على جرّ لبنان إلى مستنقع العنف، فيما يقف رجال "المقاومة الإسلامية" على سلاحهم تحسبًا لأي "مغامرة" قد تقدم عليها إسرائيل، في محاولة يائسة منها للهروب مرّة جديدة إلى الامام من دون أن تحسب أي حساب لـ "خطّ الرجعة". وقد يكون ما يحصل في جنوب لبنان، من وجهة نظر من يرى أن لبنان غير قادر على المواجهة منفردًا، وجهين لعملة واحدة.
فإذا تطوّر الوضع الميداني في الجنوب إلى ما تخشاه الدول الساعية إلى الحفاظ على استقرار لبنان فإن أي حديث عن استحقاقات داهمة ومؤجلة من عام يستعد لإقفال نوافذه إلى عام قد يكون الأكثر غرابة من غيره من السنوات الماضية هو حديث في غير محله، وذلك بسبب الغموض السائد على الجبهات القتالية، سواء في غزة أو في جنوب لبنان، الذي أراد "حزب الله" تحويله إلى منصة دعم لأهالي القطاع، الذين يتعرّضون لأبشع مجزرة في تاريخ البشرية على مرأى ومسمع العالم كله.
كثيرة هي الملفات الداخلية التي ستتأثرّ سلبًا بأي تطور دراماتيكي في الجنوب الميداني، مع تنامي الحديث من قِبل الجانب الإسرائيلي عن أن الحرب الشاملة لن تقتصر على الجنوب حصرًا، بل ستتوسّع لتشمل كل لبنان ببناه التحتية كافة، خصوصًا بعدما رسّخت أحداث لبنان عام 2023 واقعًا تحوّلت فيه الدولة إلى شبه دولة، بعدما فقدت كل المقومات التي يمكن أن تسمح لها بأن تقف على رجليها من جديد. فعدوى "فيروس" الشغور في سدة رئاسة الجمهورية المستمر منذ تشرين الأول 2022 انتقلت إلى مؤسسات وإدارات الدولة التي باتت تعمل بالوكالة والتكليف أو من خلال التمديد لقادتها.
ومع اندلاع حرب غزة، دخل لبنان في مرحلة جديدة من الصراع مع إسرائيل مع قرار "حزب الله" بتحويل جبهة الجنوب جبهة مساندة ودعم للمقاومين في القطاع. وما لبثت قواعد الاشتباك التي التزمت بها تل أبيب و"حزب الله" منذ عام 2006 أن تلاشت مع سلوك المواجهات بين الطرفين منحى تصعيديًا.
ويُخشى أن يبلغ التصعيد ذروته بقرار إسرائيلي بتوسعة الحرب على لبنان، خاصة بعد رسائل كثيرة حملها مبعوثون دوليون لحث "حزب الله" على التراجع إلى منطقة شمالي الليطاني ما يؤدي إلى عودة طرفي الصراع للالتزام بالقرار الدولي 1701. إلا أن موقف الحزب جاء حاسماً، ومفاده أن لا عودة إلى القرار ما دامت الحرب مستمرة على غزة.
ومن بين الملفات المنتقلة من سنة 2023 إلى السنة الجديدة تبقى الأزمة المالية والاقتصادية الحادة التي يرزح تحتها البلد على حالها، على رغم كل المحاولات التي تقوم بها الحكومة لضبط الوضع والتقليل من أضرار عدم التجاوب مع ما تقترحه من حلول، حتى ولو كانت مؤقتة.
أمّا الملف الأكثر سخونة فهو ملف رئاسة الجمهورية، الذي لم يُسجّل فيه أي خروق أساسية خلال العام الذي ينهي آخر أيامه على رغم المساعي الداخلية الخجولة والمبادرات الخارجية، التي فيها الكثير من الحركة، ولكن من دون بركة، في محاولة لإخراجه من عنق الزجاجة. فمع استمرار "الثنائي الشيعي" متمسكاً بمرشحه رئيس تيار "المردة" الوزير السابق سليمان فرنجية، مقابل تخّلي قوى المعارضة عن ترشيح رئيس حركة "الاستقلال" النائب ميشال معوض لصالح تقاطعها مع "التيار الوطني الحر" على اسم الوزير السابق جهاد أزعور، دخلت البلاد في اصطفاف التعادل السلبي الذي أبقى الاستحقاق الرئاسي في مربعه الأول.
فما لم يتحقّق في سنة وشهرين لن يتحقق اليوم وبكبسة زر، إذ لا شيء قد تغيّر لا في الداخل ولا في الخارج. الاصطفافات السياسية باقية على حالها، وكل يغني على ليلاه. وحدهم اللبنانيون العاديون "يأكلون" العصي النازلة على رؤوسهم فيما يكتفي من في يدهم الحلّ والربط بعدّ العصي.