دفعت غزة، منذ بداية الحرب، كل ما يمكن ان تدفعه، فسلاح اسرائيل الاقوى أُستخدم ودمرت اسرائيل شمال القطاع بالكامل ولم يعد هناك مراكز صحية أو تعليمية،في المقابل لم تستطع تل ابيب تحقيق اي من اهدافها، ولم تحرر الاسرى ولم تنهِ وجود حماس العسكري ولم تهجر السكان، وحتى المنطقة العازلة داخل القطاع ليست متاحة على ما يبدو. لم تعد اسرائيل قادرة على التهديد، فبعد قتل عشرات الاف المدنيين، بات التخويف بالقصف لزوم ما لا يلزم وغير مناسب للضغط على الفصائل الفلسطينية.
افرطت اسرائيل في استخدام قوتها بحيث لم يعد لاهالي غزة وللمقاومة الفلسطينية ما يخسرونه، في مقابل عدم قدرة الجيش الاسرائيلي على الاستمرار في الحرب البرية، فبدأ بالانسحاب من القطاع وتحديداً من شماله من دون انجازات ميدانية او استراتيجية، وعليه بات استمرار الحرب مضرا اسرائيلياً، بعيدا عن رغبة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو الشخصية. اما حماس، فبعد كل ما حصل لا يمكنها الخروج من المعركة، التي لن تتضرر في حال استمرارها اكثر مما تضررت خلال في الاشهر الماضية، من دون تحقيق انجازات حقيقية لاهالي القطاع.
تحتاج حماس لتسوية تستطيع من خلالها القول بأن الثمن الذي دفع كان خطوة كبرى نحو التحرير، وهذا غير ممكن الا من خلال تحقيق امرين، الاول تصفير السجون مع ضمانات دولية بحماية المحررين، وفك الحصار او تخفيفه عن القطاع، ومن دون ذلك لن يتمكن اهالي شمال غزة من العودة واعادة الاعمار. مع مرور الوقت ستزداد حاجة اسرائيل لوقف الحرب وسيكون الضغط الاميركي اكبر بسبب اقتراب الانتخابات الرئاسية، وهذا ما سيمنح المقاومة الفلسطينية فرصة لفرض شروطها خصوصا اذا كانت قد تمكنت من الحفاظ على بنية صاروخية جدية واعادت قصف المستوطنات بعد انسحاب الجيش الاسرائيلي من غزة.
تحقيق الانجاز خلال اي تسوية مقبلة بات هدفا ليس فقط لحركة حماس، بل لكل المحور المتحالف معها، فخطاب الأمين العام لـ "حزب الله" السيد حسن نصرالله وضع قواعد جديدة ورسم مسار التسويات المقبلة، ولوّح بالشروط الضمنية لوقف التصعيد. تحدث نصرالله عن لبنان مؤكداً أن إمكانية تحرير الاراضي المحتلة بات امرا واقعيا وقد يكون ثمن الحرب والمعركة الحاصلة، ما يعني أن "حزب الله" سيفرض تحقيق بعض الشروط قبل وقف المعركة ومن بينها الانسحاب من الاراضي المحتلة وضمنها مزارع شبعا وتلال كفرشوبا اضافة الى وقف الخروقات الاسرائيلية.
يعتقد "حزب الله" ان اسرائيل، وبالرغم من تلويحها بالحرب عليه غير قادرة على شنّها، لذلك فهو يسعى الى تحقيق امرين، الاول منعها من استعادة قدرتها على الردع وكسر قواعد الاشتباك وهذا ما سيظهر تدريجيا من خلال ردود الحزب على قصف الضاحية، والثاني هو فرض تحرير الاراضي المحتلة ومنع عمليات التجسس وهذا يتم تحصيله من خلال قدرة الحزب على تحمل استمرار المعركة اكثر من قدرة اسرائيل، وهذا ما يتطابق مع المسار الذي ستأخذه الحرب في غزة..
معادلات نصرالله تناولت العراق حيث بدأ الحشد الشعبي بتكثيف عمليات استهداف القوات الاميركية، اذ اعتبر امين عام الحزب ان خروج واشنطن عسكريا من العراق وسوريا يجب ان يحصل، وهذا ما قد يصبح هدفاً للمعركة ايضا، اذ ان اللحظة السياسية في واشنطن مع اقتراب الانتخابات الرئاسية ستجعل انسحاب القوات الاميركية من مناطق تتعرض فيها للاستنزاف ويسقط لها فيها خسائر بشرية، امراً وارداً في ظل ضغط سياسي قد تبدأ بغداد بممارسته خلال مرحلة قصيرة. اذا يبدو انه كما كانت الحرب والمعارك شاملة وغير مقتصرة على غزة ستكون التسوية شاملة وتضم اكثر من طرف واكثر من ساحة..