من الزاوية القبرصية، عاد ملف النازحين السوريين من جديد إلى الواجهة، بعد زيارة لبيروت قام بها مستشار الأمن القومي ومدير المخابرات القبرصية تاسوس تزيونيس، وفتح خلالها الملف مع المسؤولين اللبنانيين.
زيارة تزيونيس هذه تأتي بعد قلق كبير انتاب الدولة القبرصية من موجة هجرة جديدة قد تبدأ قريبًا، وذلك بعد تصريحات وزير الداخلية القبرصي الذي تخوّف من الحرب الدائرة على الجبهة الجنوبية، والتي من شأنها أن تضاعف أعداد اللاجئين من لبنان بشكلٍ غير شرعيّ، خاصةً وأن البنى التحتية للدولة القبرصية لا تسمح لها لوحدها من مواجهة هذه المشكلة، إذ إنّها تعوّل بشكلٍ دائم على المساعدات المقدمة من الإتحاد الأوروبي.
ولكن كيف هو الوضع من الجهة اللبنانية؟
على الأرض، فإن بعض الشواطئ، بمحاذاة الحدود السورية تعتبر في الوقت الحالي نقطة الإرتكاز الأولى، التي تنطلق منها القوارب المحملة بالمهاجرين غير الشرعيين. وبحسب مصدر أمني مطّلع على مجريات ما يحصل من عمليات ملاحقة، وإحباط إنطلاق أي رحلات غير شرعية، علم "لبنان 24" بأنّ ما يناهز الـ 55 مركبًا قد انطلق فعليًا إلى قبرص، حيث نجح حوالي 49% من هذه المراكب من الوصول بشكلٍ آمنٍ إلى الشواطئ القبرصية، ويقدّر عدد الاشخاص الذين وصلوا بـ 1550 شخصًا، أكثر من 90% منهم من السوريين.
ويؤكّد المصدر الأمني لـ"لبنان 24" أن الإجراءات التي اتخذتها السلطات القبرصية بالمقلب الآخر تمكّنت من إخفاق نجاح 50% من الرحلات أيضًا، خاصةً بعد الدعم الذي تلقته البلاد من قبل الإتحاد الأوروبيّ. وقد أفصحت وزارة الداخلية القبرصية قبل أشهر عن أنّها تملك معلومات من قبل مهاجرين سوريين وصلوا إلى قبرص، تفيد بأن المئات من المهاجرين يخططون، أو هم على وشك خوض غمار الرحلة، إذ يتواجدون على الشواطئ اللبنانية، وينتظرون ساعة الصفر، وهذا ما عجّل بالزيارة القبرصية إلى لبنان، لتدارك أي خطر داهم.
على ماذا يعتمد المهاجر برحلته هذه؟
حسب مصدر قانوني مطّلع، فقد علم "لبنان 24" بأنّ اتفاقَا يجمع قبرص مع لبنان يتم بموجبه قبول إعادة المهاجرين الذين دخلوا البلاد بطريقة غير شرعية، أي بمعنى آخر، إعادة المهاجر إلى بلده الأم، إلا أن المهاجرين الذين يحاولون الوصول إلى قبرص، يستندون بالاعتراض على قرار إرجاعهم الى المادة 3 من اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب، الموقعة عام 1948، إذ تلزم السلطات التي تمعن بإعادة المهاجرين غير الشرعيين بإعادة النظر بالأسباب التي دفعت بالمهاجر إلى الهرب من البلد الذي يقطن به، على أن تكون هذه الأسباب متّصلة اتصالاً مباشرًا بحقوق الإنسان، وفي حال عدم مراعاة الشروط المنصوص عليها، فإن الدولة لديها كامل الحق برفض اللجوء، وإعادة المهاجر إلى بلده الأم بطريقة إنسانية.
وحسب المصدر، فإن أكثر من 80% من المهاجرين، سواء أكانوا سوريين أو لبنانيين أو غيرهم من الجنسيات، تكون أسباب هجرتهم اقتصادية، أي بمعنى البحث عن فرص عمل، ولدى ما يقارب 25% من هؤلاء هدف الوصول إلى بلادٍ أوروبية أخرى، فتكون قبرص نقطة عبور لهم فقط، وهذا ما يسمح للدولة القبرصية بإعادتهم من دون مخالفة القانون الدولي.
بالتوازي، فإن لبنان الذي يعاني من أزمة النازحين السوريين، طالب مرارًا وتكرارًا سلطات القرار الخارجية بأخذ موقف حازم من ملف النزوح، إذ إن هذا العبء أنهك لبنان حتمًا، إلا أنّ عملاً مهمًا تقوم به الأجهزة الأمنية المختصة على المقلب الآخر، لناحية إخفاق إنطلاق أي رحلة غير شرعية، وآخرها كانت المداهمة التي أسفرت عن توقيف رأس عصابة لتهريب البشر في البقاع الأوسط، حيث تم العثور على جوازات سفر وهويات ومستندات عائدة لسوريين، إذ تبين لاحقًا أن سوريًا يبلغ من العمر 24 عامًا تقاضى 3500 دولار عن الشخص الواحد لإرساله إلى قبرص.
فهل تغاضي الدول الأوروبية عن الوصول إلى حلٍ شامل لملف النزوح اللبناني قد يدفع بلبنان إلى فتح البحر وتشريعه أمام الراغبين باللجوء وغزو أوروبا...؟