قبل أيام، أعلن المساعدون القضائيون الإعتكاف عن العمل، وأمس أصدروا بياناً مددوا بموجبه اضرابهم لغاية يوم الخميس المقبل، مطالبين بتعزيز رواتبهم وتحسين معيشتهم، مشيرين إلى أنهم التقوا وزير العدل هنري خوري ووعدهم بنقل مطالبهم إلى مجلس الوزراء.
الخطوة التي اتخذها المساعدون أربكت القضاء والمتقاضين الذين يواجهون تجربة مريرة مع الشلل الذي يصيب القضاء بين الحين والآخر، عدا عن شبح الشغور الذي يحوم حول العديد من المراكز.
ما بعد عويدات؟
إذاً، هي حالة ضياع وتخبط يعيشها السلك القضائي حالياً، فمع دفع المواطنين ثمن المناكفات هذه، فان إشكالية كبيرة تنتظر مراكز ستتعرض للشغور أهمها مركز مدعي عام التمييز، وسط تحسس طائفي كبير حول من سيستلم هذا المركز، إذ في حال تم اللجوء إلى خيار تسليم الأعلى رتبة (طالما أنّه ليس هناك إمكانية لأي تعيين لكون الحكومة تتولى تصريف الاعمال)، فإن هذا المركز سيجيّر لمصلحة الطائفة الشيعية، نسبة إلى أن القاضية الأكبر سنًّا هي من الطائفة الشيعية، وهذا ما ترفضه عدّة جهات، إذ تؤكّد المصادر القضائية أنّ الإصرار على عدم تعريض هذا المركز للفراغ نظرًا إلى أهميته لناحية استمرارية عمل النيابة العامة، قد يدفع بالذهاب إلى القاضي جمال حجار، والذي يعتبر القاضي السني الأكبر سنًا، نظرًا إلى أن مدة التكليف ستطول حسب الأوساط القضائية، وهذا ما يمنع من تجيير المركز لقاضٍ شيعيّ أو مسيحيّ.
أوساط قضائية تؤكّد لـ"لبنان24" أن الفراغ الذي يهدّد المركز بعد إحالة القاضي غسان عويدات إلى التقاعد لن يضرب فقط النيابة العامة التمييزية، إنما سيرخي بظلاله على مجلس القضاء الاعلى إذ إن المجلس حاليًا مكوّن من عضوين أصيلين هما، الرئيس الأول لمحكمة التمييز القاضي سهيل عبود رئيسا،ً والنائب العام لدى محكمة التمييز القاضي غسان عويدات..
من هنا، يوضح المصدر القضائي لـ"لبنان24" حجم الكارثة في حال شغور موقع النائب العام لدى محكمة التمييز، ليصبح المقعد الثاني شاغرًا من أصل 3 مقاعد حكمية بعد شغور مقعد القاضي بركان سعد الذي أحيل الى التقاعد. وبالتالي يبقى مقعد واحد حكمي غير شاغر وهو مقعد الرئيس الأول لمحكمة التمييز القاضي سهيل عبود، وهذا ما من شأنه أن يجعل عملية انعقاد المجلس مستحيلة مع وجود 6 أعضاء من المجلس، إذ إن قراراته لتكون إلزامية يجب أن تحصل على أكثرية 7 أعضاء.
المجلس العدلي ليس أفضل حالاً
الحال هو نفسه عند المجلس العدلي، الذي يتخبط بأزمة النقص والشغور، فالمجلس المؤلّف من الرئيس الأول لمحكمة التمييز رئيساً، وأربعة قضاة من محكمة التمييز يعيّنون بمرسوم يتّخذ في مجلس الوزراء، قد خسر 3 من أعضائه مع إحالتهم إلى التقاعد، ليتألف المجلس حاليًا فقط من الرئيس الأول لمحكمة التمييز، والقاضي جمال الحجار، أضف إلى 3 أعضاء تم لحظهم بالمرسوم عن طريق الإحتياط. وعليه، فإن اجتماع المجلس بهذا العدد الموجود حاليًا يبقى معلقًا على حضور كافة الأعضاء المتواجدين..
بكلام آخر، فإن تغيّب عضو واحد من الأعضاء الحاليين من شأنه أن ينسف تعطيل التئام هيئة المحكمة حسب المصدر القضائي.
المساعدون القضائيون إلى الواجهة
تبقى الخطوة الاكثر ارباكا في الإضراب القديم الجديد من قبل المساعدين القضائيين.. هؤلاء قرروا ممارسة الاعتكاف حقاً لوقت قد يكون مفتوحاً، على عكس إضرابهم السابق الذي كان محدّداً وغير شامل.
مصدر قضائي أكّد لـ"لبنان 24" أن القرار اتخذ بين المساعدين بعد طرح خطوة الإضراب عبر تطبيق واتساب، حيث تمّ التصويت عليه من قبلهم بالاجماع، وهذا ما يفسّر عدم صدور بيان بنفس اللحظة التي تم فيها إعلان الإضراب.
ويشدّد المصدر على أنّ الإضراب هذه المرة يشمل كافة المحاكم من دون أي إستثناءات إلا في ما يتعلق بالمهل، إذ تمت المطالبة بعدم خرق الاضراب لناحية الامتناع عن تسجيل أي دعوى ولا عقد جلسات للموقوفين لدى المحاكم المعنية، ولا القيام بتنفيذ أي استحضار أو استدعاء أو لائحة جوابية، على أن يتم تسجيل فقط ما هو على اتصال بالمهل القانونية لا أكثر.
ولكن ماذا يعني توقفهم عن العمل؟
ان التزام حوالى ما يقارب 1100 مساعد قضائي بالإضراب يعني شل القضاء لناحية عدم إمكانية تسيير الأعمال الإدارية، وهذا ما يتصل بعدم إمكانية تقديم شكوى بالدرجة الأولى وإصدار أحكام، وعقد جلسات، خاصة وأن الـ1100 مساعد يتوزعون بين مباشر، وكاتب ورئيس كتبة ورئيس قلم، موزّعين على الأقلام والمحاكم والدوائر القضائية، وهنا نعني المحاكم المدنية والجزائية ودوائر التنفيذ والسجل العقاري.
ويعد المساعدون القضائيون بمثابة "المحرك الفعّال" لعمل الدوائر القضائية كافة من دون استثناء، لجهة تعدّد مسؤولياتهم، إذ يتوجب عليهم القيام بالعديد من المهام بشكل يوميّ؛ كتسجيل الدعاوى، ومساعدة قضاة التحقيق خلال المحاكمات وتنظيم جداول الجلسات وتلبية المراجعات الخاصة بالمحامين والمتقاضين، وتنفيذ خلاصات الأحكام، وإجراء التبليغات، وغيرها من المهام المتنوعة.
ويؤكّد المصدر القضائي أن الاضراب الذي يمنع القضاة من إكمال عملهم، شلّ مصالح المواطنين بشكل مباشر، خاصة في ما يتعلّق بالقضايا الطارئة، التي أصلاً كانت مؤجّلة بعد إضراب طويل من قبل القضاة، إذ إن أعداد الملفات العالقة والمؤجلة هي بعشرات الآلاف.