أثرت أحداث البحر الأحمر الأخيرة بصورة سلبية على الاقتصاد العالمي بسبب تراجع حجم التجارة الدولية، فتركت تداعيات على مستويات عدة أبرزها: ارتفاع تكاليف الشحن، التأثير على سلاسل الإمداد، وارتفاع أسعار النفط.
وكان مدير منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي جهاد أزعور رأى أن “الوضع الأمني في البحر الأحمر يشكّل مخاطر على سلاسل التوريد العالمية وتجارة السلع الأساسية، إذ يُعد مضيق باب المندب طريقاً حيوية للتجارة الدولية وشحنات النفط والغاز”.
لن تقتصر أضرار حرب البحر الأحمر على أحد أهم شرايين الشحن البحري العالمي، إنما ستطال قناة السويس كممر مهم لحركة التجارة العالمية، وهي أسرع طريق بحري لشحن الوقود والمواد الغذائية والسلع الاستهلاكية والمنتجات المصنعة من آسيا والشرق الأوسط إلى أوروبا، حيث يمر عبرها نحو 12 في المئة من التجارة العالمية و30 في المئة من حركة الحاويات العالمية. هذا ويعبر القناة يوميًا ما متوسطه 50 سفينة تحمل بضائع بقيمة تتراوح بين 3 و 9 مليارات دولار أميركي. كما أنّ مكانتها الاستراتيجية جعلتها مركزًا إقليميًا رئيسًا لشحن النفط والمواد الهيدروكربونية الأخرى، حيث تنقل ما يقدر بنحو 10 في المئة من النفط العالمي و8 في المئة من الغاز الطبيعي المسال. وتمثل هذه الكميات شحنات حيوية للاقتصاد العالمي.
مع إستمرار العدوان الإسرائيلي على غزة تواجه الاقتصادات العالمية، بحسب استاذ الاقتصاد بلال علامة، تحديات متزايدة، ومن المتوقع أن تتفاقم الأزمة وأن تستمر هجمات البحر الأحمر في التأثير على الاقتصاد العالمي مما سيؤدي إلى تضخم كبير في كثير من إقتصادات العالم وإرتفاع متزايد في أسعار النفط والطاقة وخللاً كبيراً في الإنتظام العالمي لحركة النقل والشحن البحري نظراً إلى الدور الفعال الذي يلعبه مضيق باب المندب في عمليات الشحن ، إذ يبقى البحر الأحمر هو الممر الأكثر فعالية وحيوية وتبقى التجارة الدولية تحت رحمة أمنه واستقراره وحتماً الحرب الدائرة فيه وعليه.
هذا ويتجه تحالف اوبك + إلى الاجتماع في آذار المقبل ودرس إذا كان سيمدد تخفيضات إنتاج النفط الطوعية البالغة 2.2 مليون برميل يوميا والتي من المقرر أن ينقضي أجلها في نهاية الربع الجاري من العام.
وقد ارتفع خام برنت بنسبة 2.5%؛ وارتفعت العقود الآجلة للنفط بنحو 4% في التعاملات الآسيوية والأوروبية في النصف الأول من كانون الثاني الماضي. واوضح الرئيس التنفيذي لشركة النفط العالمية أرامكو السعودية ، أمين الناصر، ان أسواق النفط ستتكيف مع اضطرابات منطقة البحر الأحمر بالمدى القصير؛ وتوقع أن تشهد أسواق النفط عجزا في المعروض، نتيجة تراجع حجم المخزونات العالمية من النفط بمقدار 400 مليون برميل في العامين الماضيين، وهو ما يدفع المستهلكين للاعتماد على الطاقة الاحتياطية والتي تبلغ حوالي 3.5% على مستوى العالم. في حين اعتبر موكيش سهديف رئيس وحدة تجارة النفط في شركة ريستاد إنرجي الاستشارية إن مصافي التكرير الأميركية تستفيد لأنها تستطيع إرسال منتجات الوقود إلى أوروبا لتحل محل الإمدادات من الشرق الأوسط، تماما كما فعلت الولايات المتحدة مع الغاز الطبيعي، لتحل محل الإمدادات الروسية بعد العمليات العسكرية الروسية ضد أوكرانيا.
وتفيد منصة Container xChange اللوجستية أن الكلفة الزائدة على صعيد الوقود بلغت حوالى 20 % مشيرة إلى أن أزمة البحر الأحمر قد تؤدي إلى ارتفاع في كلفة النقل البحري بنسبة 60 % مع فرض رسم زائد بنسبة 20 % على عقود التأمين لشركات الشحن.
كما أظهرت بيانات مؤشر "كييل" التجاري لشهر كانون الأول 2023 أن التوتر في البحر الأحمر أدّى إلى إنخفاض حجم الحاويات المنقولة بنسبة 70 في المئة تقريباً، وهو ما يمثل ، بحسب علامة، أكثر من نصف الحجم المعتاد، كما أدى إلى انخفاض التجارة العالمية بنسبة 1.3 في المئة في الفترة الممتدة من تشرين الثاني إلى كانون الأول 2023. في حين ارتفعت تكاليف الشحن إلى 3964 دولارًا لكل حاوية 40 قدمًا في الأسبوع الأخير من كانون الثاني 2024، بنسبة ارتفاع 94% مُقارنة بالأسبوع نفسه في عام 2023.
وأثار الهجوم الذي وقع على سفينة "ميرسك جبل طارق" وقرار الشركة بإيقاف رحلاتها في البحر الأحمر موجة من القلق في صناعة الشحن، بحيث أعلنت نحو 18 شركة شحن عن تعليق رحلاتها في البحر الأحمر بما فيها “Hapag-Lloyd” و”MSC” و”CMA-CGM” ، بالإضافة إلى عدد من شركات النفط مثل "بريتيش بتروليوم" و"شل". وعليه فإن تعليق الشحنات مؤقتًا عبر البحر الأحمر أو إعادة توجيه السفن لأسباب تتعلق بالسلامة إلى طريق أطول عبر الالتفاف حول رأس الرجاء الصالح في أفريقيا ، ساهم ويساهم، بحسب علامة، في اضطراب أسواق الشحن العالمية وسيزيد من تكاليف الوقود بنحو مليون دولار لكل سفينة. كما ضاعف مدة الرحلة من 7 أيام إلى 20 يوماً ورفع أسعار الشحن إلى أكثر من 4 آلاف دولار للحاوية الواحدة طول 40 قدماً بين الصين وشمال أوروبا حالياً ، مقارنة بنحو 1500 دولار قبل بدء الهجمات.
وجراء ذلك، ارتفعت تكاليف الشحن ومدّة النقل في حركة البضائع بين شرق آسيا وأوروبا بنسبة وصلت إلى 50 في المئة. وأظهرت البيانات استمرار الاتجاه السلبي الطفيف في التجارة العالمية والتبادل التجاري بين الاقتصادات الكبرى. إذ تباطأت التجارة العالمية في كانون الأول 2023، حيث انخفضت الصادرات الأوروبية بنسبة 2.0 في المئة، والواردات بنسبة 3.1 في المئة.
وكانت شركة الشحن الصينية العملاقة المملوكة للدولة "كوسكو" قد أعلنت عن تعليق عمليات الشحن إلى إسرائيل عبر البحر الأحمر،
وشهدت حركة الشحن في البحر الأحمر إنخفاضاً دراماتيكياً في كانون الأول، حيث انخفض متوسط عدد الحاويات المشحونة يومياً بنسبة 66 في المئة، من 500 ألف حاوية في تشرين الثاني إلى 200 ألف حاوية فقط . ويُعد هذا الانخفاض، بحسب علامة، غير مسبوق في السنوات الأخيرة، حيث يمثل أدنى مستوى للحركة منذ عام 2016.