كتب أستاذ القانون الدستوري في الجامعة اللبنانية عصام نعمة اسماعيل في" الاخبار": لم يعتد اللبنانيون أن يقرأوا الأسباب الموجبة، ولم يألفوا النقاش العلني قبل اتخاذ القرار. ففي العادة، تجري المداولات في غرف مغلقة، وتمرّر من خارج جدول أعمال مجلس الوزراء، فلا يسمعون بالأمر إلا وقد صدر.الجيد، اليوم، أن دراسات تفصيلية باتت تصدر عن الأمانة العامة لمجلس الوزراء، تتضمّن المبررات والسند القانوني لبعض القرارات، كما في الدراسة المُقدّمة إلى مجلس الوزراء بناءً على طلب الأخير (2023/10/19) حول الحلول القانونية المُقترحة لتفادي الشغور في القيادة العسكرية، وقبلها الدراسات المفصّلة حول القوانين غير المنفّذة والمراحل التي وصلت إليها ومبررات عدم التنفيذ، وحول صلاحيات وزير الدولة، وحول صلاحيات رئيس الجمهورية في الحالات العادية وعند شغور موقع الرئاسة.
المبدأ العام المعتمد في الإدارة اللبنانية، أن يبدي المدير العام مطالعته الخطية في المعاملات قبل عرضها على سلطة التقرير، وبحسب المرسوم الاشتراعي رقم 34 في تاريخ 26/2/1953 وتعديلاته، فإن رئيس مجلس الوزراء يعاونه في الاعمال الموكلة إليه مدير عام له بحكم القانون صفة أمين عام مجلس الوزراء. وإذ إنّ وظائف رئيس الحكومة هي إما إدارية أو دستورية، من واجب المعاون أن يبدي أمام رئيس الحكومة الموقف الدستوري والقانوني من الإشكاليات المثارة، وأن يعرض الخيارات المتاحة أمام سلطة القرار لاتخاذ الموقف المناسب، كما في مسألة تفادي الشغور المُرتَقب في القيادة العسكرية. وقد تضمّنت الدراسة المعدّة في هذا الشأن حلولاً عدة، ووضعت أمام مجلس الوزراء خياراتٍ متعددة، أكثرها تطرّفاً تبديل الحقائب الوزارية اعتماداً على سابقة تبديل حقيبة وزير الداخلية وتبديل حقيبة وزير الطاقة والمياه، وأيسرها الاستدعاء من الاحتياط. ومن بين هذه الخيارات، قرّر مجلس الوزراء السير في خيار التعيين، وهو صلاحية خاصة به وفقاً للمادة 65 من الدستور التي تمنح المجلس صلاحية تعيين موظفي الدولة، إذ إنّ قرار مجلس الوزراء بتعيين الموظفين هو القرار النافذ المنتج للمفاعيل القانونية على ما أوصى به مجلس النواب في جلسته في 30/3/2000، وما أكدته الدراسة من حججٍ حول نفاذ قرار مجلس الوزراء والمراسيم أو الأعمال اللاحقة هي معلنة للحق وليست منشئة له. علماً أن مجلس الوزراء لم يقدم على خيار التعيين إلا بعد استنفاد كل السبل الممكنة مع وزير الدفاع الذي ترتبط به المؤسسة العسكرية إدارياً، فأصرّ على موقفه الرافض رغم خطورة موقفه على المؤسسة العسكرية التي تشكّل المحافظة عليها أولوية كبرى لدورها في صون السلم الأهلي وحفظ الوطن والدفاع عنه.
وبعيداً من القضية التي نحن في صددها، فإن موقف مجلس الوزراء، يظهره كسلطة تنفيذية متضامنة تملك القرار، ويعوّل عليه في إرساء سابقة ألّا يعمد وزير، بصورةٍ منفردةٍ، إلى تعطيل عمل إدارة عامة خاضعة أو الخروج عن التضامن الوزاري، ما يجعل مجلس الوزراء كياناً متكاملاً ووحدة مترابطة مؤسسة متضامنة لها رئيس مسؤول عنها، وترتكز في عملها على قاعدة المسؤولية الجماعية، وليس مجلس مجموعة وزراء كلٌّ يعمل على طريقته. أما المادة 54 من الدستور لناحية توقيع الوزير على المراسيم، فتقابلها المادة 66 التي تتحدّث بدقة عن واجب الوزير في تطبيق الأنظمة والقوانين في ما يتعلق بالأمور العائدة إلى إدارته، والمادة 65 التي تمنح السلطة التنفيذية لمجلس الوزراء. وإذا كان المجلس الدستوري قد سبق أن قضى بأنه لا يجوز أن يقدّر لنائب أن يشلّ قدرة مجلس النواب (القرار رقم 4 تاريخ 29 أيلول 2001)، فنقول، بالقياس، إنه ليس لوزير أن يعطّل سلطة التقرير التي يملكها مجلس الوزراء، عبر امتناعه عن حضور الجلسات والمشاركة وتأدية واجبه باقتراح مشاريع النصوص ذات الصلة بإدارته لأسباب لا صلة لها بعمل الإدارة، وإنما تعبير عن عدم رضاه على أداء الحكومة، وفي مجال الإدارة قد يكون مؤلماً التجاوز الاضطراري لنصٍ دستوري، إلّا أن الأمر يصبح مبرراً عندما تكون النتيجة إحياء العمل المؤسساتي والتضامني لمؤسسة مجلس الوزراء وحفظ كيان مؤسسة كبرى.