لا يزال الردّ الإيراني على القصف الإسرائيلي للقنصلية الإيرانية في سوريا يثير الاهتمام حول العالم، وسط ترقّب للسيناريوهات المحتملة التي قد تترتّب عليه، والتي تبدو "مرهونة" لطبيعة التعامل الإسرائيلي معه تحديدًا، في ظلّ مساعٍ تُبذَل على أكثر من مستوى لاحتوائه، خصوصًا من جانب الولايات المتحدة الأميركية، وذلك تفاديًا للذهاب إلى حرب إقليمية شاملة، يبدو أنّ كلّ الأطراف يتجنّبونها حتى إثبات العكس، وعلى رأسهم الإيرانيون أنفسهم.
وفيما يحبس العالم أنفاسه، على وقع المخاوف من ردّ إسرائيليّ مضاد، تقول التسريبات إنّ واشنطن تعارضه ولن تشارك فيه، وهو ما أبلغه الرئيس الأميركي جو بايدن صراحةً لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، يستمرّ الجدل حول "جدوى" الهجوم الإيراني من الأساس، في ظلّ تفاوت وجهات النظر المتعلقة بمدى "الفائدة" التي يقدّمها للفلسطينيين، بين من يعتبر أنه يخدمهم، ومن يرى أنّه قدّم "هدية" لإسرائيل، في لحظة "عزلة" غير مسبوقة.
وبين هذا الرأي وذاك، ثمّة أسئلة تُطرَح عن انعكاسات ما جرى إيرانيًا وإسرائيليًا على مستوى الجبهات المفتوحة منذ السابع من تشرين الأول الماضي، بدءًا من قطاع غزة المُحاصَر، الذي ما عاد أهله قادرين على تحمّل فصول المأساة التي لا تنتهي، وحيث تعجز كل المفاوضات المستمرة عن التوصّل لأي صفقة، وصولاً إلى لبنان، الذي يذهب البعض لحدّ اعتباره "ساحة الاشتباك" المحتملة، في حال تصاعد الصراع الإيراني الإسرائيلي!
هل يخدم الفلسطينيين؟
قبل أن تتكشّف نتيجة الهجوم الإيراني على إسرائيل، في ضوء "التضارب" في المعلومات بين الجهتين المعنيّتين، حول مدى نجاحه في تحقيق الأهداف المنشودة من ورائه، وفق الرواية الإيرانية، أو "إحباطه بنسبة 99 في المئة"، وفق السردية الإسرائيلية، بدأ الجدل يحتدم حول "الخدمة" التي قدّمها هذا الهجوم للفلسطينيين ولقضيتهم، علمًا أنّ البعض لم يتردّدوا في "تحييده" عن الحرب على غزة، ووضعه في خانة الحرب القديمة الجديدة بين طهران وتل أبيب.
فبالنسبة لشريحة واسعة من المتابعين، لا يمكن قراءة هذا الهجوم، سوى على أنّه جزء من الحرب المشتعلة في المنطقة، وبالتالي فهو يخدم بطبيعة الحال الفلسطينيين، سواء لجهة إشغال الإسرائيلي عنهم، وهذه المهمّة التي تلعبها جبهات "الإسناد" منذ انطلقت في جنوب لبنان في الثامن من تشرين الأول، أو لجهة التأكيد على أنّ نظرية "الجيش الذي لا يُقهَر" باتت في خبر كان، ولا سيما أنّ الإسرائيلي ظهر "ضعيفًا"، وقد احتاج لمساندة العالم للتصدّي للهجوم.
ويقول أصحاب هذا الرأي إنّ الهجوم الإيراني يؤكد بهذا المعنى على أولوية القضية الفلسطينية، حتى لو أنه جاء ردًا على اعتداء استهدف الإيرانيين، إلا أنّ ذلك حصل في إطار التغييرات التي أحدثتها الحرب على غزة تحديدًا على قواعد الاشتباك، علمًا أنّ هذه المقاربة تعيد إثارة الجدل القديم الجديد حول الفائدة التي قدّمتها "جبهات الإسناد" بصورة عامة للفلسطينيين، خصوصًا أنّها لم تستطع حتى الآن وضع حدّ لمجازر الإبادة الجماعية في قطاع غزة.
أيّ انعكاسات محتملة؟
في مقابل هذا الرأي، ثمّة رأي آخر لا يرى في الهجوم الإيراني أي عامل "مساندة" للفلسطينيين، بل على العكس، يعتبر أنّه قدّم لإسرائيل "هدية" لم تكن تتوقعها، وقد أعاد تظهيرها على أنها "ضحية"، كما حصل في السابع من أكتوبر، في استعادة لمشهد "الازدواجية الغربية" في التعامل مع الأمور خارج أيّ سياق، فالهجوم الإيراني عُزِل عن الهجوم الإسرائيلي في دمشق، كما عُزِلت "طوفان الأقصى" عن سجلّ طويل من الاعتداءات والانتهاكات والمجازر.
رغم هذه "الازدواجية" التي فضحها الهجوم الإيراني مرّة أخرى، يقول أصحاب هذا الرأي إنّ الفلسطينيين ليسوا "رابحين" من هذه المشهدية، فإسرائيل حصدت "تعاطف" العالم مرّة أخرى، بعدما كان قد "أحرِج" من فداحة الجرائم التي ترتكبها في غزة، التي تحوّلت إلى مكان غير صالح للسكن، وبالتالي فإن الهجوم شغل العالم عن القضايا الإنسانية الساخنة، ومنها المجاعة وسوء التغذية وغيرها من أشكال "الكارثة" القائمة في غزة.
وبين هذا الرأي وذاك، يبقى الحديث عن انعكاسات الهجوم على الجبهات المفتوحة من غزة إلى لبنان شائكًا، في ظلّ توقّعات بازدياد المشهد "سخونة" في جنوب لبنان، حيث لوحظ "تصعيد لافت" في اليومين الماضيين، وقد لا يكون الأمر مغايرًا في غزة، مع زيادة "التصلّب الإسرائيلي"، خصوصًا في ظلّ الفشل المتكرر لجولات التفاوض، ولو أنّ هناك من يعتقد أنّ الحرب قد انتهت "عمليًا"، مع استنزاف كل الأطراف المعنيّين بها.
على غرار الجدل المستمرّ حول دور جبهات الإسناد في خدمة الفلسطينيين، أثار الهجوم الإيراني على إسرائيل جدلاً آخر حول "الفائدة المرجوّة منه"، فإذا كان الإيرانيون قلّلوا من أهمية "الأثر" لصالح "الرسائل" التي انطوى الهجوم عليها، بحيث لا يفضي إلى حرب إقليمية واسعة، فإن هناك من يرى أنّ "الأثر" يبقى محدودًا أيضًا على الجبهة في غزة، حيث لا يزال الفلسطينيون متروكين بصورة أو بأخرى، وهنا بيت القصيد!