تعمدت باريس إعادة صياغة مبادرتها المعنية بالوضع في جنوب لبنان والتي حملها وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه إلى بيروت في شباط الماضي، فطرح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي يبدي اهتماما شخصياً بالملف اللبناني، أمام رئيس الحكومة نجيب ميقاتي مسودة جديدة تتضمن تعديلات على الورقة الفرنسية التي سلمت إلى لبنان لا سيما في ما خص تطبيق القرار الدولي 1701 على مراحل وأهمية فصل الجبهات وتعزيز دور الجيش في الجنوب.
وبحسب المعلومات فقد ناقش ماكرون هذا الأمر مع رئيس مجلس النواب نبيه بري بشكل عابر خلال الاتصال الهاتفي بينهما يوم السبت على أن يرد لبنان على المقترحات الفرنسية في غضون أيام قليلة، بعد أن يطلع رئيس الحكومة الرئيس بري وحزب الله بشكل مفصل على الطرح الفرنسي الجديد، علما أن الاليزية ستتولى من جهتها التنسيق مع تل أبيب.
وفق المعنيين، لن يبصر أي حل أمني وعسكري وسياسي للبنان قبل أن تهدأ الأوضاع في غزة وتنتهي الحرب الاسرائيلية على القطاع، وبالتالي كل ما يحصل اليوم يندرج في سياق التحضير لليوم التالي لوقف إطلاق النار، خاصة وأن ورقة الحل جاهزة عن الأميركيين.
تحاول فرنسا راهناً لعب دور في ملف دعم الجيش، علما أنها أرجأت المؤتمر الذي كانت ستعقده في 27 شباط الماضي في باريس لدعم الجيش واستعاضت عنه في ذلك الحين بقمة ثنائية بين ماكرون وأمير قطر تميم بن حمد آل ثاني، ومرد ذلك الاستياء الأميركي يومذاك من عدم تنسيق باريس مع واشنطن في هذا الشأن، وخاصة أن مسار دعم الجيش مرتبط بدوره بما بعد انتهاء الحرب في جنوب لبنان، ولذلك لا بد من انتظار وقف إطلاق النار ومسار التسويات ليبنى على الشيء مقتضاه ، خاصة وأن تفاهماً أميركيا - فرنسيا حصل حول طرح موحد للحل في لبنان خلال لقاء الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان والوسيط الاميركي آموس هوكشتاين في واشنطن في الأيام الماضية.
ويعتبر العميد المتقاعد حسن جوني أن "كل حديث عن تسوية في جنوب لبنان سابق لأوانه، وما يجري من اتصالات ولقاءات هو في سياق التحضير لتفاهم يبدأ تطبيقه بعد وقف الحرب على غزة ، وهذا قرار اتخذه حزب الله ولبنان الرسمي"، مع تشديده في حديث لـ"لبنان24" على أن" احتمالات المس بالقرار الدولي 1701 ضئيلة جداً، إلا إذا حصلت تطورات بدلت في موازين القوى فعندها لا بد من تعديل القرار، غير أن كل المؤشرات اليوم تشير إلى أن هذا القرار بمندرجاته هو الأنسب للبنان، ولذلك فإن العودة إلى 1701 تبقى الحل الأفضل لجميع الأطراف، فهو يلزم حزب الله الابتعاد عن الحدود إلى شمال الليطاني وهذا ما تطالب به إسرائيل اليوم، ويضع الملفات العالقة كلها على سكة الحل لا سيما ملف مزارع شبعا المحتلة وضرورة انسحاب العدو منها ووقف انتهاكاته للبنان"، مع الإشارة في هذا السياق إلى أن رئيس الحكومة سبق وأكد مراراً أن "لبنان ملتزم بقرارات الأمم المتحدة، بما فيها القرار 1701، في حين أن إسرائيل لم تحترم 1701 وأن لبنان سجل 35 ألف خرق إسرائيلي للقرار بينها انتهاك سيادة لبنان الجوية والبرية والبحرية".
وسط كل ذلك فإن الترقب سيد الموقف للمهمة التي سيتولّاها الجيش بعد انتهاء الحرب وسبل دعمه بما يتلاءم مع ما هو مطلوب منه وفق القرار الدولي 1701، ويقول العميد جوني" أن الجيش قادر على ضبط الوضع في الجنوب شرط التفاهم السياسي على دوره وعلى ما سيقوم به، أما فرضية فرض الجيش لقواعد جديدة في الجنوب ربطا بمطالب غربية وخلافاً لإرادة حزب الله فسوف يؤدي إلى حرب أهلية، والأكيد أن قيادة الجيش ليست في هذا الوارد"، مع تشديده على أن "فرنسا جدية في دعم الجيش وهي تدفع نحو تهيئته لوجستيا تمهيداً لأن يقوم بدوره في حال نضجت التسوية".
أما مدير المركز اللبناني للأبحاث والدراسات حسان القطب فيرى أن "كل ما يفعله الجيش في جنوب لبنان إلى جانب القوات الدولية هو مواكبة دورياتها وإجراء مصالحات بين الأهالي وقيادة القوات القوات الدولية عند وقوع اشكالات "مقصودة ومبرمجة" لـ"ترهيب" هذه القوات ومنعها من تنفيذ واجبها"، معتبراً أن "المطالبة بدخول الجيش بقوة أكبر مما هي عليه الآن إلى الجنوب، لن تخدم الاستقرار في الجنوب خصوصا ولبنان عموما طالما أن قرار الحرب والسلم ليس بيد الدولة، والدليل على ذلك أن قرار فتح المناوشات مع الكيان الغاصب لم يكن قرار السلطة بل قرار حزب الله، كما أن مشاركة فصائل فلسطينية بإطلاق الصواريخ وغيرها يخضع لموافقة حزب الله وشروط إدارته للمناوشات كما يصفها ولكن التداعيات يتحمل وزرها كل لبنان وخاصة أبناء الجنوب، حيث أعلن نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم صراحة أن حزب الله لم يكن يتوقع ان تستمر الحرب على غزة سبعة أشهر وما زالت مستمرة، لذلك فإن طرح دخول الجيش بقوة أكبر هو مناورة سياسية واعلامية ولن يكون واقع الحال مستقبلا أفضل مما هو عليه الآن".
ويرى القطب أن "القرار1701 أسس لـ"استقرار مستدام في جنوب لبنان ولبنان ولكن إسرائيل لم تلتزم بما يجب عليها القيام به فالخروقات مستمرة والاعتداءات متواصلة سواء كانت جوية أو بحرية أو برية، وكذلك فقد كشفت المناوشات أو الحرب غير المعلنة بين حزب الله واسرائيل أن حزب الله من جانبه لم يلتزم بمندرجات القرار 1701.. فالسلاح موجود جنوب الليطاني خلافاً ما نص عليه القرار الاممي.. والأهم هو أن هذا القرار أكد تنفيذ القرار 1559 مما يعني أنه فشل في تنفيذ مضمون الاتفاق أيضًا ًوهذا ما يهدد دور القوات الدولية واستمرار حضورها في جنوب لبنان، والعام الماضي تم تعديل دور القوات الدولية بما يعطيها صلاحية القيام بدوريات من دون العودة للتنسيق مع الجيش ، وهذا ما تم الاعتراض عليه من حزب الله وبالتالي من الدولة ، وتم وقف تنفيذ القرار لكن دون الإلغاء، مما يعني أنه لا زال ساري المفعول".
ويبدي القطب "تخوفاً من قرار إلغاء وجود القوات الدولية في جنوب لبنان وسحبها تحت ذرائع مختلفة خلال الصيف المقبل إذا بقي الحال على ما هو عليه مما يؤدي إلى وضع لبنان برمته في مسار العاصفة، والدخول في مرحلة ضبابية لا نعرف نتائجها أو تداعياتها. من هنا فإن الكلام عن انسحاب إلى شمال الليطاني أو إدخال مزيد من عناصر الجيش إلى جنوب لبنان.. ليس حلاً يمكن البناء عليه المطلوب أن يكون قرار الحرب والسلم بيد السلطة ، وعندها يمكن حينها العمل على رسم صورة الاستقرار في جنوب لبنان وكافة الأراضي اللبنانية".