كتب احمد الايوبي في" نداء الوطن": لم ينفع تأخير تشييع القياديين في «الجماعة الإسلامية» مصعب سعيد خلف وبلال محمد خلف ولا تحريم الأمين العام الشيخ محمد طقوش ولا التعميمات الداخلية ولا المناشدات العامة للامتناع عن الظهور المسلّح وعدم إطلاق النار في هذه المحطّة الحسّاسة... فتحوّلت بلدة ببنين العكّارية إلى ساحة مستباحة من مئات المسلحين الذين أشعلوا أرضها وفضاءها بمئات آلاف الطلقات والقذائف، في مشهدٍ ذهب بأساس قضيّة التشييع وأوقع أضراراً بشرية ومعنوية ومادية طالت صورة «الجماعة» والبلدة وأحرجت قيادتها التي سبق أن واجهت إشكالاً أقلّ شأناً في بيروت وأعلنت في حينه رفضها هذا السلوك.
لا بدّ من الاعتراف بأنّ الواقع السنّي تسوده الفوضى وعدم الانضباط وخاصة في ما يتعلق بموضوع السلاح المنفلت، وهذا يظهر بشكل واضح في طرابلس وأكثر منه في عكار حيث تحصل الإشكالات المسلّحة فيظهر السلاح الفردي وبعض السلاح المتوسط، عندما تقع الاشتباكات بين بلدتي فنيدق وعكار العتيقة وعندما تقع اشتباكات عائلية في ببنين نفسها بشكل متكرّر حيث توجد مربّعات أمنية لبعض العائلات بعضها من سرايا المقاومة وبعضها الآخر ذو طابع عشائري، ويمتلكون آليات عسكرية تحمل الأسلحة المتوسطة وسبق أن ظهرت أكثر من مرة في ببنين.
لكن هذا لا يرفع المسؤولية عن «الجماعة الإسلامية» التي حاولت بالفعل اتّخاذ ما يمكن من إجراءات لمنع هذه الظاهرة السلبية فما جرى في المشهد العام هو الظهور المسلح تحت راية «الجماعة» والسلبيات الخطيرة التي تركها هذا الظهور على المشهد الأمني والاجتماعي والسياسي في ببنين وعكار والشمال وفي كل لبنان.
من الواضح أنّ «الجماعة» وقفت عاجزة بين الاصطدام بين هؤلاء المسلحين وبين تمرير التشييع من دون خسائر إضافية قد تنجم عن هذا الصدام، فهذه هي الصدمة الثانية التي تتلقّاها بعد بيروت وينبغي من بعدها استخلاص دروس حازمة وجازمة وصارمة يمكن تلخيصها بالآتي:
أولاً: الرفض الكامل للمظاهر المسلحة في المناطق خارج جبهة الجنوب وتعزيز التنسيق مع الأجهزة الأمنية التي تحترم الجانب المقاوم من حركة الجماعة لكنّها لا تستطيع تمرير أي حركة غير مضبوطة في الداخل.
ثانياً: رفع الغطاء بلا تردّد عن كل من شارك في المظاهر المسلحة السلبية في عكار ووضع قدرات الجماعة في تصرّف الجيش اللبناني للحفاظ على الروحية الإيجابية القائمة بينهما.
ثالثاً: يطرح قياديون في «الجماعة» ضرورة اتخاذ قرار بتنظيم أي تشييع في المرحلة المقبلة بالتعاون مع الأجهزة الأمنية وخاصة الجيش اللبناني وذلك لضبط الواقع الميداني ومنع كل أشكال الظهور المسلح خلال هذه المناسبات.
رابعاً: تتّجه «الجماعة» إلى تكليف لجنة خاصة للتواصل مع الأشخاص الذين تعرّضوا للإصابات والخسائر للوقوف إلى جانبهم في إطار المسؤولية المعنوية كون ما تعرّضوا له جاء في إطار التشييع.
أبعد من ذلك فإنّ قيادة «الجماعة» اقتربت من الإعلان عن مرحلة جديدة من طبيعة عملها في الجنوب باعتبارها حالة دفاعية ثابتة، كما كشف رئيس مكتبها السياسي في حديث مع «نداء الوطن» أنّها فتحت النقاش حول جدوى مشاركة حركة «حماس» في جبهة الجنوب والآثار السلبية التي تتركها هذه المشاركة وأهمية مراعاة هواجس الشركاء اللبنانيين في هذا الجانب، وقد قطع هذا النقاش شوطاً متقدماً ويتوقع أن ينعكس على الواقع في قادم الأيام.