فيما يسيطر "الجمود" على الواقع السياسي في البلاد، بانتظار ما بات يصطلح على تسميته بـ"نضوج ظروف" انتخاب الرئيس، وكأنّ استحقاقًا بهذا الحجم يتطلب "ظروفًا محدّدة"، ويمكن أن ينتظرها إلى ما شاء الله، يستمرّ "الترقّب" لمآلات الوضع في الجنوب، الذي بات "مربوطًا" بشكل أو بآخر بكلّ الاستحقاقات، وسط "سباق متصاعد" بين التصعيد والتهدئة، تنبئ به أخبار المفاوضات في غزة، التي يفترض أن تتأثّر بها "جبهة لبنان".
وفيما يحافظ الاستحقاقان سالفا الذكر على "صدارة" المتابعات والاهتمامات، رغم أنّ ايّ "خرق" لم يسجَّل على خطّهما منذ أسابيع طويلة، وأنّ الغوص بهما بات أقرب إلى "الضرب بالرمال" في بعض الأحيان، سُجّلت تطوّرات "خطيرة" بالجملة خلال الأسبوع المنصرم، تستحقّ وقفة تأمّل على أكثر من مستوى، منها على سبيل المثال لا الحصر، "مأساة" المطعم في بشارة الخوري، و"كارثة" الفيضانات في جونية، مع ما نجم عنها من ضحايا وأضرار.
ولعلّ ما هو أخطر من المأساة والكارثة، على قساوتهما وسوداويتهما، تبقى تلك "الفضيحة" التي كُشِف النقاب عنها، وأبطالها من نجوم "التيك توك "، أو من يحلو للبعض وصفهم بـ"المؤثّرين"، وهي الفضيحة التي جمعت بين طيّاتها أشكال الابتزاز والتحرش والاعتداء الجنسي، في جريمة كان ضحاياها من الأطفال والقاصرين، ما يطرح السؤال مرّة أخرى، بعيدًا عن شجون السياسي، عمّن يضمن "الأمن الاجتماعي" للناس، في ظلّ الفراغ القاتل على كلّ الصّعُد.
من الإهمال إلى الجريمة
ليست مآسي وكوارث وفضائح الأسبوع المنصرم "تفصيلاً هامشيًا"، بل لعلّها يفترض أن تكون "الخبر الأول" الذي يستحقّ الاهتمام والمتابعة، أكثر بكثير من استحقاق رئاسي يراوح مكانه منذ أشهر طويلة، من دون أن يرفّ جفن للسياسيين الذين يفترض بهم إنجازه من دون البحث عن مكاسب ومصالح هنا أو هناك، وأكثر أيضًا من تكهّنات لا تنتهي حول مآلات الحرب المتواصلة في الجنوب، بلا رادع أو حسيب أو رقيب.
ففي "مأساة" بشارة الخوري، التي حصلت للمفارقة عشيّة عيد العمال العالمي، وصل عدد الضحايا إلى تسعة، جلّهم من العمّال الأبرياء، الباحثين عن لقمة العيش، فيما وصل حجم الأضرار نتيجة فيضان جونية الذي حلّ في عزّ فصل الربيع للمفارقة أيضًا، بحسب التقديرات إلى مئات آلاف الدولارات، وقد رُبط الحادثات بـ"إهمال" يفترض أن تحدّد التحقيقات التي فُتحت مستوياته، في ظلّ مخاوف من أن تقفل كما أقفل غيرها سابقًا.
أما في "فضيحة" عصابة الابتزاز الجنسي، أو ما باتت تُعرَف بـ"فضيحة التيك توك"، فالقصّة تبدو أسوأ، وأكثر كارثيّة، ولا سيما أنّ ما تكشّف نتيجة التحقيقات الأولية يدلّ على "نشاط" تمارسه العصابة منذ أشهر طويلة، ويؤشر إلى ضحايا لها بالعشرات، فضّل الكثيرون منهم "الصمت"، ولا سيما أنّ "المجرمين" الذين يتلطّون خلف "شهرة موهومة"، استخدموا منصّات التواصل لاستدراج القصّر والمراهقين، بعيدًا عن أعين الأهل والمجتمع.
"المواجهة المطلوبة"
تدلّ كلّ الأحداث السابقة، وإن لم تحظَ بالمتابعة الإعلامية المطلوبة، بالمقارنة على الأقلّ مع الأحداث السياسية "الجامدة" منذ فترة طويلة، على أنّ ثمّة "خللاً" في الواقع العام، فهناك من يرى أنّ "الفراغ السياسي" المستشري، يجد صداه في كلّ المجالات والميادين، وهو ما ينعكس بطبيعة الحال على "الأمن الاجتماعي" للمواطنين، والذي لا يبدو في أحسن أحواله ومراحله، ولو أنّ هذا المنطق يصطدم بآخر يعتبر أنّ "الجرائم" تحصل في كلّ مكان.
وإذا كان الحديث عن "إهمال" يجد بدوره صداه، وهو يتجلّى كل يوم بأشكال مختلفة ومتنوّعة، من دون أن يكون محصورًا بفئة أو شريحة محدّدة، فإنّ ثمّة من يشير إلى أنّ ما حصل أثبت أيضًا أنّ الأجهزة الأمنية متأهّبة، وليست بغافلة عمّا يجري، علمًا أنّ ما أثير في اليومين الماضيين عن كشف المزيد من الشبكات على أكثر من صعيد قد يشكّل رسالة "رادعة" إلى كل العابثين بالمجتمع، كالعابثين بالأمن، إن لم يكن أكثر.
وفي وقت قد يكون "الملاذ" الأكثر أمنًا للجميع، هو بتحميل الطبقة السياسية مسؤولية كلّ ما يجري، وهي التي لم تثبت "براءتها" على مرّ السنوات، والتي يفترض أن تلعب دورًا جوهريًا خصوصًا في التشريعات المطلوبة منها في مجلس النواب، فإنّ الثابت أنّ "المواجهة المطلوبة" تبقى أبعد من كلّ ذلك، وتصل إلى مستوى "حصانة اجتماعية" يجب أن يلعب المجتمع برمّته دورًا في بلوغها، على أكثر من صعيد.
إذا كانت البلاد بحكم "المشلولة"، وقد أصبحت "رهينة" فراغ رئاسي، يصرّ السياسيون على "إطالة أمده"، مع كلّ "العواقب" الناجمة عن ذلك، على المستوى السياسي في المقام الأول، ولكن أيضًا على مستوى ما يعني المواطنين بصورة مباشرة، فإنّ الثابت أنّ ما جرى ويجري على صعيد المجتمع، يتطلب بدوره قرع "جرس الإنذار"، تفاديًا للمزيد من المآسي والكوارث، والفضائح التي لا يجوز السكوت عليها بأيّ حال من الأحوال!