من هو صاحب فكرة قيام وفود من الحزب التقدمي الاشتراكي بجولة على مختلف السياسيين تفتيشًا عن حلّ مفقود، هل هو وليد جنبلاط أم تيمور، وبالتالي ما هي المعطيات المتوافرة سواء للأول أو الثاني، وهل يمكن أن تنجح هذه المحاولة حيث فشل الآخرون، وهل باتت الأرضية السياسية مهيأة أكثر من ذي قبل لتلقف أي مبادرة رئاسية تهدف إلى الخروج من عنق الزجاجة قبل أن ينقطع الهواء، وقبل أن تُحبس الانفاس، في الوقت الذي تتكاثر فيه الهموم وتثقل أكتاف اللبنانيين بما لا لم يعد لديهم من طاقة على حمل ما هو فوق قدرتهم المحدودة؟
هذه الأسئلة طرحها النائب تيمور جنبلاط على نفسه قبل أن يطرحها الآخرون عليه، وهو يعرف تمامًا ما يعرفه جميع اللبنانيين أن لا حلّ رئاسيًا في الأفق ما دام الوضع في قطاع غزة على ما هو عليه، وما دام الوضع الجنوبي باقيًا في دوامة قصف مقابل قصف، وحريق يقابله آخر، وتهديد يُردّ عليه بتصميم أكبر على المواجهة والصمود.
فعن أي رئيس يفتشّ الحزب التقدمي الاشتراكي، وإلى أي حلّ يسعى، وهل سيجد أذانًا صاغية حيث تطأ قدماه، وقد سبقه إلى تلك المقرّات موفدون دوليون كان آخرهم الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان، وقبله وفد كتلة "الاعتدال الوطني"؟
الحلّ ليس بهذه السهولة أو تلك البساطة. ومن يعتقد غير ذلك يكون واهمًا. هذا ما يعرفه جنبلاط الأب، وكذلك الأبن، وهو سرّ أبيه. وهما يعيان أن الموضوع الرئاسي أبعد من "حارة حريك" و"معراب" و"ميرنا الشالوحي" و"عين التينة" و"الصيفي". وعلى رغم ما في هذا الواقع من احباطات وتثبيط للهمم جاء القرار الجنبلاطي بضرورة التحرّك في كل الاتجاهات، خصوصًا أن لدى "المختارة" علاقات وطيدة مع جميع القوى السياسية في البلد حتى مع الأحزاب أو التيارات، التي تختلف معها في مقاربة المواضيع الوطنية والسياسية المطروحة على بساط البحث، وهي قادرة على أن تكون على مسافة متقاربة من الجميع تقريبًا.
ولكن، هل هذا يكفي لكي تتحوّل المحاولة الجنبلاطية إلى مبادرة، ومن ثم الانتقال إلى مرحلة غربلة الأسماء الرئاسية، التي يمكن أن تشكّل أرضية مشتركة يلتقي عليها الجميع من دون استقصاءات أو استفرادات. فما هو مقبول هنا مرفوض هناك. والعكس صحيح أيضًا. وإذا لم يقدّم جميع الفرقاء بعض التنازلات غير الشكلية فسيبقى الكرسي الرئاسي فارغًا. هذا هو الواقع. وهذه هي مواقف جميع الأطراف، التي تدّعي بأنها تعمل من أجل المصلحة الوطنية العليا بعدما أصبح هذا الشعار فارغًا من أي مضمون فيما هي لا تعمل سوى بوحي من بعض الخارج الساعي بطريقة أو بأخرى إلى ربط مصير لبنان بمصير الآخرين. ولكن البعض الآخر من هذا الخارج، ومن بينهم أصدقاء للبنان، يسعى إلى جمع جميع اللبنانيين على أرضه من جديد، خصوصًا أن تجربته السابقة في العام 2008 أثبتت نجاحها، وإن كان كثيرون يأخذون على تسوية الدوحة بأنها أدخلت على الحياة السياسية اللبنانية أنماطًا جديدة في العمل السياسي، وكرّست مبدأ الثلث المعطّل في كل ما له صلة بالعمل الدستوري، وبالأخصّ في العمل الحكومي.
إلا أن مسعى قطر الجديد يتلاقى هذه المرّة مع رغبة عدد كبير من اللبنانيين في الخروج من الحال المأسوية، التي يعيشونها، والتي لم تعد تُطاق، بعدما أصبح الوضع العام في البلاد من مختلف النواحي كارثيًا، وإن حاول البعض بث بعضٍ من التفاؤل. فالجنوب، ومعه كل لبنان، يعيشان على فوهة بركان، ولا أحد يعرف متى ترتكب إسرائيل حماقة كتلك التي ترتكبها في قطاع غزة منذ ما يقارب الثمانية أشهر، على رغم الاتصالات التي يجريها رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بجميع أصدقاء لبنان في الخارج في محاولة لإبعاد هذه الكأس المرّة عن لبنان.
فهل ينجح الحزب الاشتراكي في مسعاه، خصوصًا أن "التيار الوطني الحر" سيبدأ يوم الاثنين تحركًا مشابهًا، وهل سيُكتب التوفيق للدوحة مرّة جديدة في ما هي ساعية إليه، أم أن أصوات الصواريخ والقذائف، التي تدّك القرى الحدودية ستكون أقوى من الأصوات التي تدعو إلى انقاذ ما يمكن إنقاذه قبل فوات الاوان؟