يعمل "التيار الوطني الحرّ" ورئيسه جبران باسيل منذ فترة على الإنفتاح على مختلف القوى السياسية، حتى أنه عزز علاقته بالحزب "التقدمي الإشتراكي" وبدأ لقاءات رسمية وغير رسمية مع بعض نواب وقوى التغيير، كذلك فإن علاقته بحزب "الكتائب اللبنانية" ورئيسه النائب سامي الجميل باتت إيجابية جداً في المرحلة الأخيرة، وهذا التوجه بدأ بالتوازي مع التوترات التي سيطرت على علاقة التيار مع "حزب الله" حليفه الاساسي والأكبر والتي دفعت بالمحللين للحديث عن طلاق نهائي بين الطرفين.
وحده حزب "القوات اللبنانية" رفض التقارب مع "التيار" ورفض إستقبال باسيل أو اي من نوابه في معراب، وبإستثناء التقاطع الذي جمع العونيين مع قوى المعارضة بما فيهم "القوات" فإن العلاقة بين ميرنا الشالوحي ومعراب سيئة للغاية ولم يحصل اي تقارب بينهما بالرغم من كل المحاولات المستمرة من قبل قياديين عونيين. من وجهة نظر قواتية، فإن التحاور مع "التيار" يعني أن إعطاء باسيل شرعية مسيحية وشعبية فقدها في المرحلة السابقة. في كل الأحوال يعمل باسيل على توسيع دائرة القوى السياسية التي يتعاطى معها بإيجابية تمهيداً للمرحلة المقبلة.
يضع "التيار" في حساباته إمكانية عدم تحسن العلاقة السياسية مع "حزب الله"، وعليه فإن واقعه الإنتخابي سيكون سيئاً بكل ما للكلمة من معنى، وعليه فإن جزءا من تعديل موقعه السياسي وتغيير اسلوبه في التعامل مع القوى السياسية والزعامات المناطقية يعود إلى حاجته إلى التحالف معهم في الإتسحقاق المقبل، من هنا يصبح بحث "التيار" عن شكل جديد لصورته السياسية أمراً ضرورياً يبدأ بإظهار تمايز لا محدود ومن دون سقوف مع حارة حريك. ومن هنا يمكن فهم سبب تصريحات باسيل المعارضة لحراك الحزب ونشاطه العسكري في الجنوب بالرغم من التفاهم السابق بين الطرفين على فكرة سلاح "حزب الله".
يطمح "التيار" لكي يكون قادراً على التحالف مع اي طرف سياسي داخلي على القطعة، في محاولة لتكرار تجربة الحزب التقدمي الاشتراكي ورئيسه السابق وليد جنبلاط، حيث سيتمكن باسيل من البحث عن مصالحه الإنتخابية وتحقيقها من دون ان يكون مقيداً بتحالفات سياسية ذات طابع إستراتيجي، لذلك فإن إمكانية التفاهم مثلاً مع حركة "أمل" سيبقى ممكناً مقابل التفاهم مع الكتائب في إستحقاقات أخرى. يريد باسيل تحرير نفسه بالكامل للحفاظ على قدرة تأثير مقبولة في المرحلة المقبلة، على اعتبار أنه غير مستعد لتقديم تنازلات فعلية لحارة حريك اذا لم يحصل في المقابل على نفوذ داخلي وازن.
يحاول باسيل الإلتفاف على تراجع قدراته الشعبية وتشتته الحزبي الداخلي من خلال الإقتراب نحو المساحة الوسطية في الحيز السياسي اللبناني، لكن كل هذه الإستراتيجية قد تتعرض لإنتكاسة كبرى في حالتين، الاولى هي مواجهة "التيار" رفضاً شاملاً من قبل القوى السياسية التي خاصمها في الماضي، وحصرها التقارب معه في الاطار العام وبالتالي عدم الذهاب الى اي تحالف سياسي او انتخابي معه، والثانية هي موافقة الحزب على شروط ميرنا الشالوحي وعودة التحالف الى سابق عهده، وعندها لن يكون باسيل بحاجة الى اي تفاهمات سياسية اخرى.
خلال المرحلة التي تلي الحرب المندلعة جنوب لبنان، سيكون من الصعب على "التيار الوطني الحر" المناورة سياسيا بحرية كبيرة، وسيكون عليه الاختيار بسرعة المسار والموقع السياسي الذي يريد ان يستقر فيه خلال السنوات المقبلة، وهذا ما يتيح لخصومه وحلفائه قدرة اكبر على التفاوض معه وتحصيل مكاسب اضافية..