في فصل الصيف تكثر الأنشطة والرياضات الخارجية، فإلى جانب الاستمتاع بالبحر والصعود إلى الجبل يُمكنكم أيضا ممارسة نشاطات تُمكنكم من استكشاف العديد من المواقع السياحية وممارسة رياضة المشي أو الهايكينغ او الاستغوار، ومن أفضل من طبيعة لبنان الخلابة للقيام بذلك؟
لبنان ليس فقط شواطئ وجبال بل هو معلم طبيعي بامتياز، يتميز بالعديد من المغاور والكهوف التي تحوي على العديد من الأسرار والثروات المائية والكنوز الجيولوجية.
وتشكّل المغاور العديدة المنتشرة في مختلف المناطق في لبنان عالماً واسعاً، وثروة تحتوي جمالات طبيعية، وعوالم غير مألوفة، وتُتيح إمكانية استثمار سياحي بيئي من شأنه تعزيز الاقتصاد.
ونظراً إلى طبيعة لبنان الجيولوجية المُكوّنة من الصخور الكلسية الصلبة، والجبال، تتكرَّر حالات تشكّل المغاوِر عبر التاريخ الجيولوجي الطويل العائد إلى ملايين السنين، وتتجلّى بصيغ وأشكال مختلفة. فهناك مغاور عبارة عن مُجرّد تجويف أرضي، ومنها ما هو نبع للمياه مع مُتدلّيات ومُتصاعِدات كلسية، ومنها ما هو تشكيل من مُتصاعِدات ومُتدلّيات، ومنبع مياه واحتمال سياحة واسعة، ومنها ما هو مُجرَّد تجويف صخري شكَّل موطن الإنسان الأول.
في هذا التقرير نسلّط الضوء على أشهر المغاور والكهوف الموجودة في لبنان والتي يُنصح بزيارتها هذا الصيف مع الأخذ بالإعتبار ان بعضها يحتاج إلى وجود أخصائيين وإلى معدات خاصة لممارسة هذه الهواية.
مغارة جعيتا
البداية من مغارة جعيتا الأشهر في لبنان والتي تمكنت عام 2009 من الوصول إلى التصفيات النهائية لقائمة عجائب الدنيا السبع الطبيعية.
تقع مغارة جعيتا في وادي نهر الكلب على مسافة تقرب من 20 كلم من بيروت، وترتفع 100 متر عن سطح البحر، إلى الشمال الشرقي من العاصمة اللبنانية قرب مدينة جونية. يتجاوز طول المغارة - التي تبعد عن شاطئ البحر نحو 5 كلم - في باطن الجبل 9 آلاف متر (أي 9 كم)، مع الإشارة إلى أن ثمة أجزاء منها ما زالت غير مكتشفة. وبالتالي، فهي تعد أكبر المغاور اللبنانية بجانب كونها الأجمل والأشهر بفضل تشكيلاتها الكلسية المميزة كالصواعد Stalagmites والنوازل Stalactites التي تلعب المياه عاملا رئيسا في تكوينها.
تتكوّن مغارة جعيتا من طبقتين عليا وسفلى. الطبقة السفلى، وهي الأقدم اكتشافا، اكتشفها المنصّر الأميركي ويليام تومسون في ثلاثينات القرن التاسع عشر، ويقال إنه في حينه توغل فيها نحو خمسين مترا، ثم أطلق النار من بندقية صيد كان يحملها وأدرك من الصدى الذي أحدثه الطلق الناري أن للمغارة عمقا جوفيا كبيرا. وفي عام 1873 استكشفها فريق من المهندسين البريطانيين كان يعمل في شركة مياه بيروت. أما الطبقة العليا فقد اكتشفت عام 1958، وهي تتيح للزائر السير على الأقدام بعد عبور نفق يبلغ نحو 120 مترا، ليطل من الممرات على عالم من الأقبية الشاهقة الارتفاع، وقد توزعت بداخلها الأغوار والصواعد والنوازل والأعمدة وما إليها من الأشكال البديعة التي نحتتها يد الطبيعة. وراهنا تقتصر زيارة مغارة جعيتا السفلى على عبور نحو 600 متر في المياه من أصل نحو 6910 أمتار، في قوارب صغيرة تنقل الزائر عبر مسطح مائي متعرج يقطع سكونه هدير المياه الجوفية.
قاديشا
مغارة قاديشا، القريبة من غابة الأرز، عند بلدة بشري تطل على وادي قاديشا الذي يخترقه النهر الذي يحمل اسمه قبل أن يعرف عند اقترابه من مصبه عند مدينة طرابلس، بنهر أبو علي.
وعن قصة اكتشاف هذه المغارة فإن ثمة راهبا اسمه يوحنا بركات المزوق رحمة، كان يعيش حياة تقشفية ونسكية في دير مار يوسف بمحلة الضهر - بشري، حاول في أحد أيام الخريف من سنة 1903، اكتشاف مرشحات نهر قاديشا. وحين وقع نظره على عين الماء الواقعة أعلى مصب النهر، جرب الدخول من الفجوة التي كان يخرج منها الهواء باردا، غير أنه أخفق في مسعاه لشدة البرودة وصعوبة الوصول إلى الداخل. وعلى الرغم من محاولاته المتكررة واللاحقة فإنه لم يصل إلى نتيجة، وتوفي قبل أن يفلح في مسعاه. غير أن خبر وجود مغارة قرب نبع نهر قاديشا كان قد انتشر في بلدة بشري وجوارها، مما دفع إلى تشكيل لجنة محلية للكشف عن المغارة، وتمكن أحد أعضاء اللجنة وهو الخوري مطانيوس جعجع من دخول المغارة مع قريب له، وبعد أيام تمكن أفراد اللجنة من دخولها، وهناك اكتشفوا مناظر ساحرة من نحت الطبيعة. ولاحقا أنيرت المغارة بالمصابيح، وبعد افتتاح معمل قاديشا الكهربائي أنيرت بالكهرباء، وتسلمتها بلدية بشري منذ عام 1935.
أفقا
مغارة أفقا في جرود بلاد جبيل كسروان، على مسافة 80 كلم شمال شرقي بيروت، تقع في منطقة جبلية جميلة ترتفع عن سطح البحر 1100، وتضم شلالات كبيرة. وتتدفق من مغارة - أو مغارات - أفقا مياه نهر إبراهيم الذي كان يعرف قديما بنهر أدونيس. والمغارة مفتوحة على هاوية يزيد عمقها على 200 متر، وصفها باحثون ومؤرخون بأنها من أجمل الأماكن في العالم.
كفرحيم
مغارة كفرحيم في منطقة الشوف، اكتشفت في 30 آذار عام 1974، وقد شكل اكتشاف المغارة يومذاك حدثا إعلاميا وسياحيا كبيرا، لا سيما أن الخبراء الجيولوجيين قدروا أن العمر التكويني للمغارة يزيد على 4 ملايين سنة. أما كيفية اكتشاف هذا المَعلم البديع فقد جاء ذلك عن طريق الصدفة إذ كان بعض الفتية يلعبون كرة القدم في أحد دروب بلدة كفرحيم، وانحرفت الكرة عن مسارها الطبيعي واستقرت في فجوة بين الصخور واختفت. وعلى الأثر حاول الفتية إخراج الكرة من الهوة، لكنهم وسط الظلام اضطروا لاستخدام الشموع والمصابيح، وعندها اكتشفوا أحد أروع المناظر التي شاهدوا في حياتهم. وهكذا اكتشفت مغارة كفرحيم، إحدى أجمل التحف الطبيعية في لبنان. والمغارة مكونة من عدة طبقات، وتضم بداخلها في كل جانب مشاهد متنوعة الأشكال والأحجام، ومياها متدفقة وشلالات، وتتدلى من سقوفها النوازل وتعلو من أرضها الصواعد البراقة.
الزحلان
مغارة الزحلان في سير الضنية كانت معروفة للسكان المحليين، والقرى المجاورة، وربما بانت فتحة مدخلها عن بُعد فاعتاد على رؤيتها كثيرون، يستثمرها أحد رجال الأعمال المحليين، والمسافة المُستثمَرة منها تبلغ 500 متر، وهي جزء يسير من عُمقها. والمغارة ثلاث طبقات، وفيها نهر من الماء ينبع من المغارة، وكانت مأهولة منذ عشرات آلاف السنين استناداً إلى الأبحاث الجيولوجية والأنثروبولجية التي أجراها فريق علمي مُتخصِّص بإشراف "المجلس الوطني للأبحاث العلمية"، وأهم ما عُثِر فيها هو هياكل بشرية وحيوانية مُتحجِّرة، وبعد تحليلها تبيّن أن عمرها أكثر من 30 ألف سنة.
الريحان
تقع المغارة في بلدة الريحان في جنوب لبنان وتحمل اسم البلدة الواقعة على بعد 90 كيلو متراً عن العاصمة بيروت، واكتسبت البلدة اسم الريحان نظراً لما تنتشر فيها بكثرة نبتة الريحان العطرية، وتقع المغارة على سفحها الشرقي.
ترتفع المغارة زهاء 1100 متر عن سطح البحر، وقد اكتشفها صدفة أحد مزارعي البلدة ويدعى أحمد عواض وذلك سنة 1933.
يتم تناقل المعلومات عن المغارة عن عائلة مكتشفها، وباتت رواية الاكتشاف معروفة، وترتكز أن المزارع أحمد كان يكسّر صخرة بمطرقته، فأفلتت المطرقة من قبضته، ولم يعثر عليها، فاكتشف فوهة المغارة، وأدهشته المناظر الظاهرة فيها من فوهتها.
بدأ اهتمام رجال البلدة بالمغارة، وراحوا يحاولون تعميق اكتشافها، إلى أن وُضِعت على الخارطة السياحية للبنان عام 2016، وقد تأخّر افتتاحها بسبب الاعتداءات الإسرائيلية على الجنوب، ما منع تأهيلها، وتجهيزها، ووضعها في الخدمة.
القسم الأول من المغارة تبلغ مساحة امتداده نحو 180 متراً، أما السفلي وهو القسم المائي فما زال قيد التأهيل.
جُهِّزت المغارة بجسور خشبية، وممرات للمشاة تسمح بالتجوّل فوق الصخور ومشاهدتها عن قرب. وعند نهاية النفق استُحدِثت قاعة مؤهّلة لكي تكون متحفاً طبيعياً، كما زرعت أشجار الصنوبر عند المدخل لتزيد من جمالية المكان.
مغارة الرويس
تقع مغارة الرويس في قرية العاقورة، أعالي قضاء مدينة جبيل، وهي واحدة من أكبر وأبرز المغارات الموجودة فيها، وتعود التسمية إلى اللغة السريانية وتعني عين الماء الباردة.
ويقرّ المؤرّخون أنّ من أقدم الآثار الموجودة في العاقورة هي مغارة الرويس التي تُعتبر من أكبر المغارات في لبنان، وهي غنية بالتشكيلات الكلسية والصواعد والهوابط، وما شابه من أشكال تزخر بها المغاور، وتدهش الإنسان بشدة تنوّعها.
في الطبقات السفلية منها، يتدفّق نهر جوفي، يبلغ طوله 3 كيلومترات، ويرفد نهر إبراهيم بنهاية مساره، ويقوم جسر طبيعي يربط منطقتي العاقورة والمجدل فوق النهر الشتوي المتدفّق من المغارة.
مغارة مبعاج
من الثغور الطبيعية المذهلة المتعدّدة الموجودة في نطاق مدينة جبيل التاريخية، وتقع في خراج بلدة علمات - قضاء جبيل، إلى جوار دير القديسة تريزيا، ويرجّح أنها تقع في أراضٍ تابعة للدير، لذلك، تصعب زيارتها، ويتراجع اهتمام الدولة بها كونها تخضع لسلطات الدير.
ينقل زوّارها أنّها ذات مناظر جميلة ومميّزة، تبعد عن جبيل المدينة زهاء 20 كيلومتراً، وعن بيروت 55 كيلومتراً، وتعلو عن سطح البحر 800 متر، وتتميّز بتشابهها مع جعيتا من حيث المياه الجارية بداخلها.
اكتشفها الفرنسيون عام 1938، وساروا بداخلها كيلومترات عديدة، وقد ورد عام 1952، في كتاب للرحالة الفرنسي بروس كوندي أن المستغورين الفرنسيين اضطروا الى استعمال قوارب مطاطيّة لاجتياز البرك والبحيرات التي بداخلها.
ويلاحظ وجود عشرات الآلاف من نقاط المياه المعلقة في سقوفها، وهي تبقى كذلك فترة تسعة أشهر لتتساقط بعدها في فصل الشتاء مُخَلِّفة نوازل تتدلى كل سنة، وبذلك يمكن قياس عمرها بحسب طول المتدلية أو الصاعدة.
تبلغ المسافة المخصصة للزوّار 220 متراً، وفيها بقعة لا تقل مساحتها عن مئة وخمسين متراً ينبعث في أرجائها بريق نادر.
هوة قطين عازار
هوة قطين ـ عازار في عينطورة - المتن تُعتبر أطول امتداد جوفي في لبنان ودول المشرق، وتُعد ثاني أعمق هوة في لبنان بعد هوة "فوار داره" وتمثل أكبر امتداد جوفي في لبنان والمنطقة، حيث يبلغ عمقها 507 أمتار وتمتد على مساحة 11867 مترًا من الدهاليز، الممرات، الآبار والروافد النهرية، مما يجعلها عنصرًا مهمًا في التنمية المُستدامة.
هناك مغاور أخرى أيضاً منها على سبيل المثال بلعيص، القلانسيّة، ماربولا، هوّة صليبا، ومغارة بنت الملك، وهي تقع في وادي قزحيا باتجاه الشرق، الذي يضمّ المغاوِر المحيطة بدير مار أنطونيوس قزحيا، في قضاء زغرتا - الزاوية، وتوجد مغارة القدّيس أنطونيوس الواقعة عند مدخل الدير، وتمتد داخل الجبل حتى تصل تحت بلدة إهدن.
ومن المغاور أيضا "فوّار دارة"، و"هوّة الحمرا" في بلدة مشمش العكارية، ومغارة "قانا" الجنوبية التي تذكر الروايات التاريخية أن السيّد المسيح قد مرّ بها.
ولا بد من الإشارة إلى ان الدراسات تُبين ان عدد المغاوِر في لبنان يزيد على 600 مغارة منها ما جرى الكشف عليها ودخولها ووضعها على خارطة الاهتمام السياحي-الاستثماري، ومنها ما جرى رصده، ولم يتمّ الدخول إليه نظراً إلى غياب الفرق والجمعيات المُتخصصة بالموضوع.
إذا لمحبي السياحة البيئية القريبة من الطبيعة، واستكشاف الجبال والمغاور والمواقع الأثرية والتراثية لا تفوتوا زيارة هذه اللوحات الطبيعية الخلابة هذا الصيف.