في خلال المرحلة الاخيرة برز تواصل ودّي بين رئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل ورئيس المجلس النيابي نبيه بري. بدأ هذا التواصل قبل مبادرة باسيل الاخيرة لكنه تكرس للعلن من خلال هذه المبادرة اذ قرر باسيل حمل اقتراح برّي الحواري على عاتقه وتسويقه مع قوى المعارضة، علماً أن باسيل الذي يوحي للقوى السياسية أنه قادر على فعل ما لا يستطيع فعله، لا يملك أي مونة فعلية على قوى المعارضة. فبعض اطراف هذا الفريق يجامل باسيل لاسباب مصلحية مرتبطة بالانتخابات الرئاسية والبعض الاخر يرفض لقاءه حتى.
فشل باسيل في عقد تحالف حقيقي مع قوى المعارضة، فالرجل لم يستطع الحصول على "الدلع" المبالغ فيه الذي كان قد حصل عليه خلال علاقته بـ "حزب الله" وهذا ما لم يناسبه، في الوقت الذي لم تتنازل فيه قوى المعارضة لباسيل اذ ان غالبية هذه القوى لا تستسيغ رئيس "التيار" ولديها رؤية أنه يتجه نحو هزيمة شعبية وسياسية كبيرة وتالياً فإنه لا داعي لإنتشاله من ازماته، واعطائه شرعية سياسية ومسيحية، لذلك فقد خسر باسيل امكاينة ان يكون ضمن جبهة سياسية معارضة ل" قوى الثامن من اذار".
قرر رئيس "التيار" التقارب مع رئيس المجلس النيابي نبيه برّي، على اعتبار أن حل الازمة السياسية معه كفيل بحل الخلاف مع "حزب الله"، لكن باسيل الذي يقرأ التحولات السياسية والاقليمية لا يجد نفسه مستعجلاً لترميم علاقته بحلفائه السابقين، وهو في الوقت نفسه يضمن أن الحزب سيتحالف معه في اللحظة التي يقرر باسيل فيها ذلك، انطلاقاً من ذلك لم يقدم رئيس "التيار" اي تنازلات حقيقية لحارة حريك لا بل يستمر في عملية شدّ الحبال معه، لكن هذا التوجه لم ينطبق على علاقته برئيس المجلس.
ماذا يريد باسيل من برّي؟ عملياً سيحقق التقارب من بري لباسيل امكانية عقد علاقة تحالفية سلسة مع "حزب الله" مع ما يتضمنه ذلك من "دلع" سياسي وسلطوي لا يلغي الخلافات الدائمة التكتيكية مع رئيس المجلس، لكن هذا الهدف يبدو بعيد المدى، في الوقت الذي يرى باسيل أن أمامه هدفا يجب تحقيقه بسرعة وهو قطع الطريق على ترشيح رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية، وهذا ما لا يمكن حصوله الا من مدخل عين التينة التي سيكون انتقالها من معسكر دعم رئيس المردة الى معسكر البحث عن بديل بمثابة ضربة قاضية لفرنجية.
من الواضح أن باسيل يريد تسوية رئاسية مع برّي، وهذا هو هدفه الرئيسي وهو مستعد لأجل ذلك أن يقدم الكثير من التنازلات، لا أن يسوق المبادرة الحوارية فقط لإرضاء رئيس المجلس.
لكن السؤال، لماذا سينسحب بري من دعم فرنجية ومقابل ماذا سيتمايز عن "حزب الله" رئاسياً في الوقت الذي اتفق فيه الطرفان في المرحلة الماضية على ان الخلافات التكتية بينهما ممنوعة وليس فقط التباينات الاستراتيجية؟ يظن باسيل أنه قادر على تقديم ما لا يستطيع أحد تقديمه لبري، ألا وهو شراكة كاملة في السلطة والحكم، وهذا ما كان بري يبحث عنه خلال ولاية الرئيس السابق ميشال عون.
قد تكون مكاسب وصول فرنجية للرئاسة أكبر بكثير من مكاسب اي تسوية ممكنة مع باسيل خصوصاً أن "الثنائي الشيعي" جرّب باسيل اكثر من مرة ولم يكن الودّ السياسي معه كافياً ليكون حليفاً كامل الاوصاف.
امام رئيس "التيار" معركة صعبة ليتفاهم مع بري الذي يدرك على الارجح اهداف خصمه اللدود، وبالتالي لن يكون جاهزاً لتقديم خدمات مجانية للرجل، لا بل قد يسعى الى الاستفادة من اندفاعته من دون ان يعطيه اي مكسب حقيقي.