أسوة بالقضايا التي يختلف عليها اللبنانيون، يشكل موقع لبنان في النظام الإقليمي الجديد موضوعاً إشكالياً جديداً، وتظهر ذلك في مقاربات ممثلي المكوّنات السياسية لهذا العنوان بعد مداخلة النائب علي فياض في مؤتمر"التجدد للوطن" الذي عقد في البيال تحت عنوان "من لبنان الساحة.. إلى لبنان الوطن". وبينما اعتبر فياض "أن المنطقة أمام صعود جيو استراتيجي لمحور المقاومة، مقابل تراجع لإسرائيل التي أصبحت أكثر ضعفاً بعد حرب غزة، وتراجع لأميركا التي باتت أقل قدرة على الإمساك بملفات المنطقة، وانّ المَيل الطبيعي للأمور أن يُعاد تشكيل توازنات جديدة في الشرق الأوسط"، تفاعلت قوى سياسية عدة سلباً وايجاباً مع هذه الافكار، ضمن حلقات نقاش ينشرها "لبنان 24"، في سياق الدفع قدماً نحو تفعيل الحوار السياسي لا سيما وأن هناك انسداداً سياسياً في الأفق والأزمة التي يمر بها البلد هي على المستوى الوطني ولا بد من الحوار حول الهواجس والضمانات والكيان والنظام وموقع لبنان في المنطقة.
الحلقة السادسة مساهمة النائب السابق الدكتور باسم الشاب في مناقشة مداخلة النائب علي فياض.
يقول الدكتور باسم الشاب: سرني كالعادة مشاهدة سرد أكاديمي منطقي للنائب الدكتور علي فياض في مؤتمر "التجدد للوطن" في البيال، لكنني تساءلت هل كانت الصراحة تتقبل رأياً صريحاً آخر أو مؤتمرا كهذا في ديار "الممانعة" وكأنما الصراحة توجد فقط في دنيا الليبرالية السياسية التي نفسها يسعى"محور الممانعة" لتجاوزها.
ويقول الشاب: ما لفتني في مداخلة فياض أن الطروحات والاستنتاجات جاءت قبل طرح الفرضيات التي قدمت كواقع لا جدل فيه. صعود استراتيجي لحلف الممانعة يقابله هبوط للغرب واسرائيل وما يعكسه ذلك على الأطراف اللبنانية الموالية للغرب. وهذا الافتراض، خلاصته ان كيان لبنان، كما أسماه الدكتور فياض، هو كيان عربي أخطأ أبناؤه بالتوجه به نحو الغرب عند اعلان دولة لبنان الكبير في العام 1920. والجدير بالذكر، بحسب الشاب، أن العداء للغرب وتوصيف الانحياز للغرب بالخطأ، سبق تأسيس "دولة اسرائيل" التي أشار إليها فياض ب"الكيان". أما الدول الأخرى فهي دول وليست كيانات، والكلام عن أن الكيان اللبناني في مرحلة انتقالية تبعد عنه الغرب إنما يثير بعض الشك خصوصاً أنه صادر عن حزب "أصولي إسلامي"يؤيد العداء للغرب ليس على أساس سياسي فقط، والمستهجن أن هذا العداء للغرب جمع ورثة "الالحاد السوفياتي" مع "الإصولية الإسلامية" في حلف الممانعة.
ويتابع الشاب قائلاً: المطلوب، بحسب فياض، من الافرقاء اللبنانيين والمسيحيين خصوصاً إعادة قراءة وتموضع وليس حواراً. والحزب ليس في وارد البحث بمسلماته. هناك المقاومة وهناك الدولة. ولكن على الدولة( المسيحيون وكيان لبنان الكبير) استباق الأمور والانخراط بالحلف المنتصر (محور الممانعة ). أما الايجابيات التي تفرض هذا التموضع فهي عديدة أبرزها التقارب الإيراني – السعودي، لكن المملكة العربية لا تزال، كما يقول الشاب، عند موقفها من حزب الله وهي والخليج العربي لن يعودا إلى لبنان وهو يرزح تحت السيطرة الايرانية، قد يخفف هذا التقارب الصراع المذهبي لكنه لن يوفر دعماً مادياً للبنان. وما لم يذكره فياض أبداً أن لبنان لم ولن يرى أي دعم مالي أو اقتصادي من إيران( دعمها موجه فقط لحزب الله) ولا من الصين ولا من روسيا ولا من الحوثيين. أما التعويل على الغاز فهو في غير محله.
ويضيف الشاب: تخطى العالم مرحلة نقص الغاز الروسي، وأسعار الغاز في أدنى مستوياتها منذ عقد. والغاز اللبناني سيبقى رهينة عدم الاستقرار ونفوذ حزب الله، والحقيقة المرة أن اتفاق الترسيم البحري جاء متأخراً ، وفقط لتأمين اسرائيل ضخ الغاز من حقل كاريش . والمثال الأبرز على العامل الجيوسياسي هو الغاز الإيراني الذي حرمت طهران من تشغيله وتصديره وهي التي تمتلك ثاني أكبر مخزون غاز في العالم. إن هذا الأمر البديهي لم يخف عن المرشحين للرئاسة الإيرانية وأولهم الرئيس المنتخب مسعود بزشكيان، وما قيل في المناظرة الرئاسية الإيرانية عن أزمة إيران الاقتصادية من جراء تموضعها الجيو سياسي لم ولن نسمعه في الإعلام المقاوم في لبنان. ولعل أول المشككين بفرضيات ضعف الغرب الاقتصادي والسياسي هو الرئيس بزكشيان نفسه الذي دعا إلى الانفتاح على الغرب وفك الحصار الاقتصادي عن بلاده.
أما بالنسبة إلى التراجع الاستراتيجي للغرب، فلا شك، كما يقول الشاب، أن انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان كان مهيناً كما كان عليه الحال عند انسحاب الاتحاد السوفياتي من قبل، ولا شك أيضاً أن إسرائيل اهتزت من جراء انهيار منظومتها في 7 تشرين الأول الماضي، لكن حلف الممانعة من جهته، تلقى ضربات لا تقل فداحة، فالعملية العسكرية الروسية في أوكرانيا أظهرت هشاشة القوات الروسية مما اضطر موسكو إلى استجداء السلاح من لاعبين كايران وكوريا الشمالية. أما إيران التي أخطأت بضرب باكستان اضطرت إلى استيعاب الغارات الجوية الباكستانية وارسال الرئيس الايراني الراحل ابراهيم رئيسي للاعتذار ناهيك عن محاولة ايران التقرب من أذربيجان حليفة اسرائيل ليس من باب القوة إنما من باب الضعف. أما فشل ايران وروسيا في دعم أرمينيا فقد شكل عاملاً رئيسياً في إعادة تموضع يريفان في المحور الغربي.
الأهم في الأمر هو توصيف فياض العلاقة بين حزب الله والدولة كقوتين داخل الكيان اللبناني مكملتين لبعضهما البعض، لكن الدولة والحزب في هذا الاطر ليسا، وفق الشاب، متساويين وكأنما المرحلة الانتقالية هي من دولة عربية إلى كيان لبناني جديد مزيج من دولة متممة قانونيا ومعنوياً لمقاومة تتمتع بقرارات السيادة والسلم والحرب، فيكون هذا الكيان أشبه بالسلطة الفلسطينية ويقسم إلى:
1-منطقة "أ" سلطة حصرية للدولة(منطقة مسيحية).
2-منطقة "ب" سلطة مشتركة للدولة والحزب( مناصفة سنية درزية).
3-منطقة "ج" سلطة الحزب( مناطق شيعية).
وبخلاف ما طرح في مداخلة فياض، يؤكد الشاب أن أي حوار صادق يفترض أن يكون خارج الافتراضات الجيو سياسية المتغيرة وأن يكون حول تطبيق اتفاق الطائف واللامركزية الإدارية وإلغاء الطائفية السياسية.