Advertisement

لبنان

محمد علي مقلد يقرأ في مفهوم الردع: لا جدوى منه إذا كانت الوحدة الوطنية مهددة

هتاف دهام - Hitaf Daham

|
Lebanon 24
02-09-2024 | 06:00
A-
A+
Doc-P-1241812-638608756195872426.png
Doc-P-1241812-638608756195872426.png photos 0
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
A+
A-
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
 لم تكن اسرائيل تتوقع يوماً ما حدث معها منذ عملية طوفان الأقصى. فنظرية الأمن الإسرائيلية، التي تم وضعها في عهد بن غوريون، والتي تستند إلى الردع، الدفاع، الإنذار، الحسم السريع للحرب ونقل الحرب إلى ارض العدو، سقطت بعد السابع من تشرين الاول، فهذا التاريخ سرعان ما عمق الازمة داخل كيان العدو ووسع الهوة بين مكوناته. فانهارت نظرية "جيش الشعب"، وسقط خيار الحرب الخاطفة والاستباقية.
Advertisement

وبحسب تقرير نشرته صحيفة "التايمز" البريطانية فإن لدى "حزب الله" الآن، في الواقع، نسخة زهيدة من "رادع نووي" تتمثل بعدة آلاف من الصواريخ الطويلة المدى، وكلها تستهدف شمال إسرائيل. فإذا أطلقها جميعا في عدد قليل من رشقات ضخمة، فإنها ستتغلب على الفور على الدفاعات الجوية لإسرائيل ويمكن أن تدمر المراكز السكانية والبنية التحتية في جميع أنحاء البلاد، بما في ذلك تل أبيب وحيفا.

ان رد حزب الله على اغتيال اسرائيل لقائده العسكري فؤاد شكر في الضاحية الجنوبية لبيروت، أكد أن الرد الإيراني على اغتيال إسرائيل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في طهران حاصل لا محالة ولو تأخر، كما أن رد المقاومة أثبت أن حزب الله يمتلك قوة الردع في حين ان اسرائيل فقدتها، هذا فضلاً عن أن الفيديوهات التي تعمّد نشرها في الآونة الأخيرة، أظهرت أنه قادر على فرض معادلاته، فهو أعاد باختياره الاهداف التي استهدفها تحقيق توازن الردع ولكن من دون الانجرار إلى مواجهة مفتوحة.

في المقابل، تظن قوى سياسية في لبنان أن من الصعب أن يعيق  الرد الذي نفذه "حزب الله" الاحد الماضي حكومة بنيامين نتنياهو عن مواصلة استهدافاتها، خاصة وان نتنياهو قال إن إسرائيل لم تقل "كلمتها الأخيرة" بضرباتها على جنوب لبنان" ووزير الحرب الاسرائيلي يواف غالانت قال "نحن مطالبون بتوسيع أهداف الحرب لتشمل عودة سكان الشمال إلى منازلهم بأمن".

مع ارتفاع مستوى التصعيد ومضي 11 على عملية طوفان الاقصى تطرح الأسئلة حول مآل الامور في المستقبل لا سيما في ما خص ما يسمى بتوازن الردع  لا سيما وأن "حزب الله" أثبت أنه قادر على استهداف العمق الإسرائيليّ، وخيارات الاستراتيجيات الدفاعيّة.

الحلقة الخامسة في نقاش الردع الاستراتيجي مع الدكتور والباحث اللبناني محمد علي مقلد.

يقول مقلد: بالاستناد إلى النص الأكاديمي الرصين الذي كتبه النائب سليم صايغ حاولنا تطبيق المفاهيم الواردة فيه على وضعنا الحالي وتوصلنا إلى الخلاصة التالية: مفهوم الردع الإستراتيجي اكتسب معناه الكامل بعد أن توصلت بعض دول العالم إلى امتلاك السلاح النووي. حينها بدأ التسابق على عدد الرؤوس النووية وعلى قوة الصواريخ التي تحملها وعلى مداها. لذلك يمكن القول أن ما دون السلاح النووي يصنف في خانة التوازن الاستراتيجي لا الردع الإستراتيجي.

ويضيف: شاع استخدام التوازن بدل الردع في خطاب النظام السوري الذي كان يفضل تأجيل المواجهة بذريعة سعيه، ولم يبذل أي مسعى، للوصول إلى تحقيق توازن استراتيجي مع العدو الصهيوني، لأن معركته ستكون، في نظره، خاسرة في غياب هذا التوازن، ولأن التوازن في نظره يقتصر على حسابات عددية للأسلحة المستخدمة في الحروب الحديثة من طائرات ومدرعات ومدفعية، ولأن الاستغراق في البحث عن السلاح يعفيه من البحث عن المقومات السياسية للتوازن ومن بينها الوحدة الوطنية وهي أمضى الأسلحة وأقدرها على تأمين المناعة الداخلية في حالتي الدفاع أو الهجوم.

إن مفهوم التوازن الاستراتيجي لم يكن، بحسب مقلد، قابلاً للتحقق في أنظمة المواجهة، أي في ما كان يسمى دول الطوق أو جبهة الصمود والتصدي، لأن الأولوية لدى الأنظمة السياسية السائدة فيها هي للسلطة لا للدولة، لذلك كانت تركز اهتمامها على أجهزة الاستخبارات الداخلية أكثر من أي شيء آخر. أما إسرائيل فقادرة على تأمين حاجتها من السلاح، إما بتصنيع محلي إما من الولايات المتحدة الأميركية.

لقد اعتمدت منظمة التحرير الفلسطينية، بحسب مقلد، على آليات الحرب "الأنصارية"، أي المجموعات الصغيرة المسلحة في مواجهة أهداف مدنية أو عسكرية لدى العدو، وأساليب قتالية تختلف عن تلك المعتمدة بين الجيوش، ولذلك لم تبحث لا عن توازن استراتيجي ولا عن ردع استراتيجي، وصار تنظيم نشاط المقاومين ومواقعهم القتالية يقوم على السرية والسرعة في التخفي ونقل المواقع. وحين انتهكت منظمة التحرير هذه الآليات، واستعادت القواعد القتالية للجيوش وباتت مجموعاتها ومواقعها مكشوفة، تعرضت لهجمات عسكرية اسرائيلية كان أبرزها معركة الكرامة في الأردن والاجتياحات المتكررة للجنوب اللبناني واغتيال قادة المقاومة وتدمير الطائرات في مطار بيروت وصولاً إلى الاحتلال الإسرائيلي للبنان في صيف 1982. وبعد أن تحولت منظمة التحرير إلى سلطة في فلسطين، انتقلت شعلة الكفاح المسلح إلى تنظيمات الإسلام السياسي وبقايا منظمات يسارية متحدرة من الأممية الثالثة ومن تجربة المقاومة المسلحة للاحتلال النازي خصوصاً والاستعماري عموماً، مقتدية تجارب مهمة في حركات التحرر الوطني في العالم، في فرنسا واليونان وروسيا، وفيتنام، والجزائر، وغيرها.

ومع سقوط الاتحاد السوفياتي وانهيار التجربة الاشتراكية احتلت منظمات الإسلام السياسي خشبة مسرح المقاومة. كانت البداية في أفغانستان ثم في تنظيم القاعدة ثم في تنظيم داعش. بعد أن تلقت هذه التنظيمات ضربات موجعة تركز النشاط المسلح في تنظيمات فلسطينية ولبنانية متحدرة من تجربة منظمة التحرير، حماس والجهاد الإسلامي وحزب الله اللبناني، تعتمد في تمويلها وتسليحها على النظام الإيراني وتشكل معه جبهة واحدة تحمل عنوان قوى المحور، أو تحت شعار وحدة الساحات.

ويقول مقلد: لقد التبس على هذه التنظيمات أمر العلاقة مع نظام الملالي. فإيران بلد يبلغ تعداد سكانه ما يفوق ثمانين مليون نسمة أي ما يوازي عدد سكان تركيا أو فرنسا أو اسبانيا، ومن الطبيعي أن تتوهم السلطات الحاكمة فيها القدرة على مجاراة الدول الكبرى في مسألة التوازن أو الردع الاستراتيجي، ولاسيما بعد أن قطعت شوطاً بعيداً في نشاطها النووي، يتيح لها توسيع مجال نفوذها السياسي والإيديولوجي، على غرار ما فعلته الدول الكبرى الرأسمالية في انتشارها الاستعماري، أو الشيوعية في تصديرها الثورة والإيديولوجيا. فاقتدت إيران بالرأسمالية بعد انهيار الاستعمار، وبالشيوعية بعد انهيار تجربة التوتاليتاريا، وبات من المحتم أن تصطدم بعائق التاريخ الذي اختار مساراً لولبياً ذا اتجاه صاعد غير قابل للعودة إلى الوراء. وأخذت عن النظامين أسوأ ما عند كل منهما، سباق التسلح والنزعة الاستعمارية وغياب الحرية. مع ذلك، تبقى إيران قادرة على متابعة تجربتها استناداً إلى ما تملكه من إمكانات، فهي دولة نفطية طامحة إلى أن تكون نووية.

أما ما يسميه مقلد وكلاء إيران فلا يملكون، بحسب رأيه من المقومات ما يجعلهم يجارونها في سياسة الردع الإستراتيجي. فالتنظيمات الإسلامية لا تؤمن كلها بعودة صاحب العصر والزمان، المهدي المنتظر، ولا هي قادرة على ممارسة السلطة إلا على مساحة مقتطعة من الدولة وعلى حساب الدولة، مثلما هي الحال في غزة المقتطعة بعد انشقاق عن الدولة الفلسطينية، أو في لبنان بعد سيطرة على مناطق تسكنها غالبية سكانية من الشيعة.

لقد حقق "حزب الله"، بحسب مقلد، نجاحاً باهراً في معركته مع الجيش الإسرائيلي عام 2006 عندما باغت العدو بسلاحين لم يكونا في الحسبان، شبكة الأنفاق وشبكة الهاتف الأرضي. شكل هذان السلاحان نوعاً من الردع الستراتيجي جعل إسرائيل تخشى تكرار تجربة الاجتياح بآلياتها وجنودها المشاة، وهو ما وظفه حزب الله إعلامياً، إذ رسخ في وعي جمهوره قدرته على ردع إسرائيل، أي على منعها من القيام مجدداً بأي عدوان على لبنان، كما وظفه عملياً في تعميم تجربته على قطاع غزة، الذي تدير شؤونه حركة حماس وتتوافر فيه شبكة من الأنفاق أقامتها إسرائيل خلال الاحتلال، وطورتها حماس بعد تحرير القطاع.
حقائق "طوفان الاقصى
إن معركة طوفان الأقصى أثبتت، بحسب مقلد، مجموعة من الحقائق.

الأولى أن سلاح الأنفاق يشكل ضمانة لحماية المقاومين وقياداتهم لا لحماية السكان والمواطنين.

الثانية أن حجم الدمار والخسائر البشرية الفلسطينية أثبت تفوق إسرائيل بامتلاكها سلاحاً تقليدياً هو الطيران الحربي، فضلاً عن امتلاكها سلاحاً استراتيجياً، كما الدول الكبرى، هو السلاح النووي.

الثالثة أن السلاح الاستراتيجي الأمضى هو الحماية الداخلية بالوحدة الوطنية والحماية الخارجية بتأمين الدعم المادي والمعنوي، وليس سراً أن حماس خاضت معركة الطوفان في ظل انقسام فلسطيني عملت الصين على رأب صدعه، وفي ظل إجماع عربي رسمي على التضامن مع القضية الفلسطينية لا مع حماس، وفي ظل موقف رسمي دولي يكتفي إعلامياً بإدانة العنف ويقدم الدعم اللوجستي عملياً لعمليات الإبادة في غزة وفي كل أنحاء فلسطين. ان استنتاجات ذاتها عن الأنفاق وحجم الدمار والخسائر البشرية وغياب الوحدة الوطنية يمكن أن تقال، بحسب مقلد، عن معركة الإسناد التي خاضها حزب الله في لبنان من ضمن ما سمي "قواعد الاشتباك". يضاف إلى ذلك ما يظنه "حزب الله" سلاحاً استراتيجياً، أي الصواريخ والمسيرات. ولقد بات من الثابت أن إسرائيل لم تتجرأ على الدخول عبر قوات المشاة إلى داخل الأراضي اللبنانية، لكن طيرانها الحربي وطائرات الرصد لم تغب عن سماء لبنان وسوريا منذ الثامن من تشرين، وأنها، على ما أفادت تقارير صحافية، استخدمت تقنيات الرصد المتعددة المصادر لمعرفة خريطة الأنفاق الخاصة بحزب الله ومخازن أسلحته، وتعلمت من تجربتها في عدوان تموز 2006 كيف تتفادى المواجهة المباشرة مع المقاومين، واكتشفت أن محاربة المجموعات الفدائية، الأنصارية، لا تحتاج إلى استراتيجيا بل إلى تكتيك قتالي مختلف عن المعارك بين الجيوش، فاستخدمت أحدث ما توصل إليه العلم من تقنيات لتتعقب تشكيلات المقاومين، وتمكنت من رصد تحركاتهم عن طريق الهواتف الذكية والمراصد الجوية، بالطيران أو الأقمار الاصطناعية وبمساعدة من أجهزة مخابرات عالمية.

الرابعة هي أن إسرائيل التي تنفق على البحث العلمي عشرات أضعاف من تنفقه الدول العربية مجتمعة، والتي تنتج أربعين بالمئة من تقنيات وسائل الاتصال في العالم، تعتبر حليفاً وشريكاً أساسياً لمجموعة الدول المهتمة بالتطور العلمي والتقني، فيما يغرق خصومها من العرب والمسلمين في غياهب الأوهام والأساطير الدينية والفكر الغيبي، وفي أفضل الحالات يتخلى لهم العالم المتقدم عن الأجيال القديمة من الصناعات أو عن الصناعات التجميعية، بما في ذلك الحربية منها.

الخامسة أن إسرائيل التي تمارس أبشع أنواع الجرائم بحق الشعب الفلسطيني تعتمد، في تنظيم العلاقة بين الدولة والمجتمع، على الديمقراطية واستقلال السلطة القضائية، فيخضع الجميع فيها، حكاماً ومحكومين إلى سلطة القانون، فيما تعاني بلداننا من تسلط أنظمة الاستبداد وأحزاب الاستبداد فتكون النتيجة عدم جدوى الردع لا التكتيكي ولا الاستراتيجي إذا كانت الوحدة الوطنية مهددة.

وأخيراً لا تصح، بحسب  مقلد، التكهنات حول الردع الاستراتيجي ولا الصبر الاستراتيجي في بلد تعم فيه العتمة الشاملة وتنهار فيه الدولة.
المصدر: خاص لبنان24
تابع
Advertisement

أخبارنا عبر بريدك الالكتروني

إشترك
Author

هتاف دهام - Hitaf Daham