لا الكلمات نفعت، ولا البيانات أثّرت.. القرار اتٌّخذ، ورفع الاقساط بات محسومًا في المدارس الخاصة، ودخل كضيف غير مرغوب فيه على المدارس الرسمية، وسط الرهان على انطلاق العام الدراسي بخير وسلامة على وقع أصوات الطائرات الحربية الإسرائيلية التي تعبث بأجواء لبنان، من خلال هزّ السكون بخرق متواصل لجدار الصوت، الذي ورغم أنّه بمثابة تهديد، إلا أنّ آثاره النفسية لا يمكن تجاهلها أبدًا، هذا عدا عن التهويل المتزايد بالقصف، إذ من المستبعد أن تنتهي العمليات العسكرية الإسرائيلية في لبنان طالما أن الجبهة لا تزال على حالها.
عمليًا، الإدارات في المدارس الخاصة تجهّزت، إذ من المتوقع خلال أيام أن تنطلق بعض الثانويات أو المدارس الخاصة، وستتبعها لاحقا المدارس الخاصة الأخرى بالاضافة إلى الثانويات والمدارس الرسمية. مصادر تربوية تواصل معها "لبنان24" مستفسرًا عن إمكانية تأجيل انطلاق العام الدراسي أشارت إلى أن الأمور إلى حدّ الآن تسير كما هو متفق ومخطط له، والكلمة الفصل تبقى لمدى إمكانية تطوّر الأوضاع الأمنية. فحسب المصادر التربوية، إذا استمرت الأمور على ما هي عليه، فإنّ العام الدراسي سينطلق بشكل طبيعي، أي بمعنى أن الرزنامة التربوية سالكة، طالما أن التطمينات من وزارة التربية توحي بأن الأمور طبيعية.
معضلة البدلات
وعلى الرغم من أنّ روابط المعلمين قد سهّلوا الطريق لناحية البدء بتسجيل الطلاب، إلا أن أزمة بدلات الإنتاج ستعود إلى الواجهة من جديد، وليس مستبعدا أبدًا أن يتم تعكير صفو انطلاق العام الدراسي الجديد من خلال قلب الطاولة وفتح نفق الإضرابات من جديد، علمًا أن المصادر تشير لـ"لبنان24" إلى أن روابط المعلمين اتخذوا القرار هذه المرة بعدم التراجع عن مطالبهم، وهم سيلتزمون بالمواعيد التي وضعها وزير التربية عباس الحلبي لناحية البدء بتسجيل الطلاب، إلا أن هذه الإيجابية لن تستمر على صعيد نسبة بدل الإنتاجية التي يتقاضوها حاليًا، علمًا أن المصادر أبدت تخوفها من أن الدولة لن تكون قادرة على دفع الإنتاجية المُطالب بها، والتي تفوق 600 دولار طالما أنّ جبهة الجنوب من الممكن أن تتطور بين لحظة وأخرى، وهذا ما يفتح مجددًا قضية التعليم عن البعد، خاصة وأن عددًا كبيرًا من المدارس في الجنوب غير مجهّز لاستقبال الطلاب، بالاضافة إلى حركة النزوح الكبيرة نحو المناطق الداخلية، التي تضاعفت مشاكلها وسط شبه افتقادها للبنى التحتية التكنولوجية. وما يفاقم المشكلة أكثر هو تراجع تقديمات الجهات المانحة، التي ليست اليوم في وارد رفع دعمها كما المعتاد.
ومع ترافق أزمة التمويل مع أزمة صناديق المدارس الفارغة، اصطدم الأهالي في المدارس الخاصة بواقع رفع الاقساط، تحت حجة أن الوضع الحالي أجبر الإدارات على اتخاذ هكذا قرار ضمانًا لاستمرارية العام الدراسي.
من هنا، تؤكّد المصادر التربوية لـ"لبنان24" أن قرار رفع الاقساط بات من الماضي، والتركيز اليوم هو على كيف سيستطيع الأهالي دفع هذه الأقساط، علمًا أن أكثر من 80% منها هي ب"الفريش دولار". وقد أوضح العديد من الإدارات لمجالس الاهل أن قرار رفع الاقساط هو الحلّ الوحيد على الطاولة اليوم، وتوعز المصادر الأمر إلى سببين. فمن ناحية أولى ترى المصادر أن المدارس الخاصة لن يكون بمقدورها استكمال مهامها من دون الاساتذة المتواجدين اليوم، أو على الأقل من دون الاساتذة النخبة، الذين استطاعوا أن يحافظوا عليهم، وأثنوهم عن اتخاذ قرار الهجرة كما فعل الآلاف من الأساتذة الذين خسرهم القطاع التعليمي. وترى المصادر أن مطالبات الاساتذة العام الماضي لناحية رفع معاشاتهم في القطاع الخاص لا يمكن أن تمر عنها الإدارات مرور الكرام، خاصة وأن الروابط أكّدت أنّها لن تتوانَ ولو للحظة عن اتخاذ قرار الإضراب في حال لم يتم رفع معاشات الاساتذة، ومن هنا وقعت الإدارات بين مطالب الاساتذة المحقة، وبين صرخة الأهالي الذين أصلاً تحملوا أعباء العام الدراسي الفائت، وعليه، فإنّ خطط الزيادات تفنّدها الإدارات، وتحاول قدر الإمكان أن تراعي بين مطالب الاساتذة وظروف الأهالي.
من جهة ثانية، توعز المصادر سبب رفع الاقساط إلى الإستمرارية، مشددة على أن العديد من المدارس هي على شفير السقوط، وفي حال لم يتم تدارك هذا الامر، وأغلقت هذه المدارس أبوابها، فإن الجسم التربوي، والهيكلية التعليمية ستتعرض لخلل، خاصة وأن هناك موجة نزوح داخلية كبيرة جدًا، بالاضافة إلى إغلاق عدد من المدارس الجنوبية لأبوابها.
ومن الخاص إلى الرسمي، تؤكّد المصادر أن الامر لا يختلف، فمع شحّ الدعم، ووصول صناديق المدارس إلى مستوياتها الدنيا، لجأت وزارة التربية إلى فرض رسم قدره 4 ملايين و500 ألف ليرة، لكل طالب يريد التسجيل في المدارس الرسمية إذا كان لبنانيا، و9 ملايين عن الأجانب.
وتؤكّد المصادر أن هذه الخطوة قد تعوّض جزئيا، وليس إلى حد كبير غياب دعم الجهات المانحة، إذ من شأنها أن تسند ولو قليلا صناديق المدارس، التي تحاول الاستمرار في ظل الأوضاع التي تمر بها البلاد، مع العلم أن هناك مناطق محرومة أصلا لن يكون بمقدور الأهالي دفع مبلغ الخمسين دولارا، خاصة بالنسبة إلى العائلات التي لديها أكثر من طالب.