أحيت "القوات اللبنانية" – فرع مونتريال ذكرى شهداء المقاومة اللبنانية بقداس ترأسه راعي أبرشية مار مارون في كندا المطران بول - مروان تابت في كاتدرائية مار مارون في مونتريال وشاركه فيه راعي أبرشية انطلياس للموارنة المطران أنطوان بو نجم وراعي ابرشية الروم الملكيين الكاثوليك في كندا المطران ميلاد جاويش ممثلًا بالأب ثيودور زخور والأب أنطوان زيادة، وحضره قنصل لبنان العام في مونتريال أنطوان عيد، ورئيس حزب "القوات اللبنانية" – فرع مونتريال رشدي رعد ونائب المنسق العام للحزب في كندا جوزاف القزح وممثل مشيخة العقل في كندا الشيخ عادل حاطوم والنائبة عن منطقة فابر السيدة أليس أبو خليل ممثلة بالسيد كريم أبي هيلا، رئيس حزب المعارضة في بلدية مونتريال السيد عارف سالم، عضوا بلدية لافال السيدة ساندرا الحلو وراي خليل ورئيسة فرع مونتريال في حزب الكتائب اللبنانية السيدة جاكلين طنوس ورئيس فرع حزب الوطنيين الأحرار في مونتريال جوزاف خيرالله ورئيس نادي زحلة شارل أبو خاطر ورئيس نادي "مون زحلة – كيبيك ميشال شهوان ورئيس نادي القبيات جورج بشاره ونادي دير الأحمر ممثلًا بطوني عواد والمشرف الإقليمي لأندية الليونز الدولية في كندا سفير السلام طوني نحاس ورئيسة نادي الليونز – ارز لبنان السيدة كلود الخوري وجمعية لابورا ممثلة بملحم طوق وحشد من المؤمنين.
بعد تلاوة الانجيل المقدس القى المطران تابت عظة من وحي المناسبة جاء فيها: "نتشارك اليوم في قداسنا هذا الذي نقدّمه معكم لراحة نفس الشهيد الشيخ بشير الجميّل وشهداء القوات اللبنانية. وقد باتت هذه المناسبة تحيّة سنوية لمَن استشهدوا ليبقى الوطن؛ ولينتموا الى وطن السماء حيث لا حرب ولا سلاح في حضرة الآب السماوي حيث المحبة التي لا تزول.
إن ذكر الشهداء مرادفٌ للإقدام والتضحية، هو حديث عن أناسٍ نذروا حياتهم لرفعة مبادئهم. هم أبطالٌ في معركة الحياة، وقد ضربوا أروع الأمثلة في البذل والعطاء؛ لا يهابون الموت، مؤمنين بأن حياتهم إنما تُهدى إلى هدف أسمى. لقد نزعوا من قلوبهم حب الحياة وتوجهوا نحو المعركة، لأنهم كانوا يعلمون أن نضالهم سيساهم في بناء غدٍ أفضل.
حملوا شعلة الحق، وآمنوا بأن ثمن الحرية هو أعلى من كل الثروات. الشهداء هم من أعطوا الوطن معنى، وجعلوا من القضية رايةً ترفرف فوق هاماتنا. إنهم لم يموتوا، بل يعيشون في قلوب مَن عَرَف كلًّا منهم كرموزٍ للشجاعة، وكأمثلةٍ للتفاني من أجل الآخرين. هكذا كان أسلوبهم في المحبة.
كلما تذكرنا تضحياتهم، نتذكر أن الطريق إلى الخلاص مليء بالعقبات والتحديات، من أجل تحقيق أهداف نبيلة تتجاوز حدود الزمان والمكان.
في هذا الأحد الأخير من زمن العنصرة ويصادف أيضاً مولد العذراء مريم؛ يدعونا بولس الرسول الى المحبّة، التي هي "الدَّين" الوحيد علينا للقريب، ويعطينا يسوع في إنجيل لوقا مثل السامري الصالح لتوضيح مفهوم الرحمة والتعاطف الحقيقي والمحبة. (ولا بدّ من توضيح الإطار التاريخي والجغرافي لهذا المثل، إذ أنّ السامريّين كانوا يشكّلون خليطا من اليهود والوثنيين، وحتى عبادتهم كانت مختلطة بالوثنية، وقد نشبت بينهم الخلافات حتّى صار اليهود يتجنّبون الاتّصال بـ "السامريين"، بل يكرهونهم. وقد تبلور العداء وصار الانفصال نهائيا حين بنى السامريّون لهم هيكلا منافسا في جرزيم بدلًا من هيكل أورشليم، وبسبب اختلاف أفكارهم الدينيّة. أما جغرافياً فالطريق المباشر ما بين اليهودية والجليل يمر بالسامرة، وهذا الطريق يستعمله الجليليون. أما يهود اليهودية فكانوا يتحاشون المرور في السامرة لئلا يتنجسوا من السامريين، فكانوا يلتفون حول السامرة ويأخذون طريقا أطول عبر بيرية).
إنّها في الظاهر قصة عادية لكنها تحمل رسالة عميقة تتجاوز حدود الزمان والمكان، لتكون درساً في الإنسانية نلخّصه في نقاط أربعة:
الرحمة تتجاوز الحدود: يُظهر السامري الصالح أن الرحمة ليست محصورةً في حدود دينية أو قوميّة ولا مقيّدة بالوضع الإجتماعي. بل هي قيمةٌ إنسانية تُظهر أن المحبة تتخطى كل التباينات، والرعاية تأتي من قلب رحيم لا يعرف حدوداً أو تمييزاً ونستشهد بهذه العبارة بالفرنسية "La Charité n’a pas d’heure".
الأفعال تفوق الأقوال: بينما تجنب الكاهن اليهودي واللاوي تقديم المساعدة، أظهر السامري من خلال أفعاله مثالاً واضحاً على أن الرحمة الفعليّة تتجلى في أفعال ملموسة، وليس فقط في الأقوال.
مسؤولية كل فرد: يذكر المثل أن كل شخص لديه مسؤولية أخلاقية لمساعدة الآخرين. يمكن لأي شخص، بغض النظر عن خلفيَّته، أن يكون هو "السامري الصالح" في حياة الآخرين.
إنسانية مشتركة: يُبرز المثل أهمية رؤية الإنسانية في كل شخص، وعدم الحكم على الآخرين بناءً على خلفياتهم أو معتقداتهم، بل التفاعل معهم على أساس من الإنسانية والمساعدة المتبادلة.
باختصار، يظل مثل السامري الصالح رمزاً قوياً للرحمة والتعاون، ويُشجعنا على تقديم المساعدة دون النظر إلى الانتماءات أو الفوارق الثقافية. إنه دعوة للتعاطف، وتأكيد على أن العمل الطيّب يمكن أن يحدث من أي شخص وفي أي مكان، مهما كانت خلفيته.
ويطرح قداسة البابا فرسيس السؤال اليوم بشكل مغاير فبدل القول: من هو قريبي؟ علينا أن نسأل: هل نحن قريبون من الآخرين؟
تصبح المحبة خدمة مجانية عندما تقرّبُ المسيحيّين من بعضهم، تجمعهم باسم المسيح. فنضعُ إخوتنا وأخواتنا قبل الدفاع الصارم عن النظام الديني. هذه المحبة فقط ستوحّدنا لأنّ كل معمّد ينتمي الى جسد المسيح نفسه، لتشكّل "سيمفونية الانسانية" التي كان بكرُها يسوع.
بالعودة الى نية قداسنا اليوم، فلنُبقِ شعلة الإيمان والمحبة في قلوبنا مُضاءة، فالأُسر المسيحية في لبنان ما زالت بحاجة الى التضامن في ما بينها والإبقاء على إرادتها صلبة في مواجهة التحدّيات وهي كبرى وداهمة. ولنُبقِ ذكرى الشهداء والمصابين حاضرة في يومياتنا لكي لا تضيع ولتبقى ذكراهم عطرة لاستكمال مسيرة الحرية وتجاوز هذه المرحلة الخطيرة من تاريخنا المسيحي في لبنان وجواره.
ولنصلِّ ونعمل ونتعهد بألا يُفرّط واحد منا بتضحيات شهدائنا والمصابين ولا بأوجاع أهاليهم وأسرهم وأن نتعالى على ما يفرّقنا لتبقى قضيتنا الجامعة هي الحضور المسيحي الحرّ والفعّال والحيوي في لبنان ومن أجل لبنان".
بعد الذبيحة الإلهية ألقى رعد كلمة رحب فيها بالمطران بو نجم وأثنى على ما جاء في عظة المطران تابت عن شهداء المقاومة اللبنانية ومعانيها الوطنية، وقال: "هو موعد سنوي مع الرفاق، هو موعد سنوي مع مقاومين حبّوا لبنان للنفس الاخير، مع قواتيين حملوا بشجاعة ارواحهم على كفوف ما تعبت ولا يوم، وقاتلوا وعيونهم على وطن يحلموا أن يروه سيدا، حرا، مزدهرا، متقدما، ومستقرا، وطنا يكون فيه القرار للسلطة الشرعية التي تحكم باسم الشعب وبتفويض منه، ووطنا قراره في بيروت وفقط في بيروت.
في كل سنة نحيي ذكرى شهداء المقاومة اللبنانية يكون بلدنا يعيش ازمة جديدة، ازمات بالسياسة والاقتصاد والامن وبالمجتمع، ومنذ أن انتهت الحرب حتى يوم لا يزال، وللأسف، الوطن معلّقا على خشبة الصراعات الاقليمية التي كالعادة ندفع ثمنها من لحمنا الحي. واليوم ومنذ أكثر من ١١ شهرا يدفع لبنان فاتورة حرب ليس لنا أي علاقة بمجرياتها لا من بعيد ولا من قريب. الاكيد أننا متضامنون مع كل انسان ومظلوم، واكيد نحن نرفض أن تستمر المجازر بحق الابرياء في غزة، لكن نحن نرفض أيضا أن يدخل لبنان وبقرار فردي من "حزب الله" في حرب البلد في غنى عنها، وحرب ليس للدولة والشرعية اللبنانية أي دور بقرارها.
لبنان أمانة لم نقبل في الماضي ولن نقبل في المستقبل أن نضيعها او نخسرها، وللحفاظ على هذه الامانة قدمنا، ومستعدون دائماً أن نقدم كل التضحيات. نحن حزب لم يخف من المواجهة في يوم من الايام، أيًّا كان نوع هذه المواجهة، وتاريخنا فيه الكثير من الأمثلة خلال أيام الحرب كما في ايام السلم. واليوم ومع كل الذي يجري لا تزال القوات تواجه بقيادة قائدنا الدكتور سمير جعجع، وبدعم والتزام القواتيين في لبنان والانتشار، مع كثير من اللبنانيين، لا تزال تواجه كل محاولات وضع اليد على الدولة والسعي لتحويل الوطن إلى ساحة تصفي فيها بعض الدول حساباتها في الاقليم والعالم، او إلى بلد تحكمه احزاب وميليشيات من خارج اطار الشرعية والدستور.
منذ أكثر من اربعين سنة حلم الشيخ بشير ببلد حر مزدهر ومتقدم، استشهد البشير وما انكسرنا، خضنا الحرب، وبقيادة الحكيم قاتلنا ودافعنا عن لبنان وهويته، وبعد الحرب جربوا يخنقوا القوات، تآمروا كثيرا وركبوا جرائم كثيرة وسجنوا ظلماً الحكيم وكثيرين من الرفاق ولم ننكسر. لم ننكسر لأننا مؤمنون بقضيتنا ولأننا قدمنا خلال الحرب والسلم الكثير من الشهداء الذين نجتمع اليوم لنحيي ذكراهم، شهداء كان لي شرف القتال معهم، أذكر منهم ايلي منصور، طوني نصر، سمير وديع، وشهداء عرفتهم ابطالا في الميدان ، أذكر منهم سهيل منسى، اكرم القزح، سليم معيكي، وشهداء حرمتني للأسف الغربة من التعرف عليهم قبل ما تطالهم يد الغدر، أذكر منهم رمزي عيراني، ايلي حصروني، وبسكال سليمان.
غريب هذا الشعور عندما نتحدث عن الشهداء. هو مزيج من مشاعر كثيرة، مزيج من فرح من اعتزاز، من امتنان، من قهر، من حزن، وهو أيضًا شعور بالثقة، لكن الشعور الاهم هو الادراك ان تضحيات هؤلاء الابطال لم تذهب سدى. فلولا هذا النضال ولولا الاستشهاد ما بقي لبنان ولا بقيت القوات، القوات التي سيذكر التاريخ انها الحزب الذي كان وسيبقى لبنان قضيته الاولى والاخيرة.
رفاقي الشهداء.. امانة شهادتكم الغالية في أيدي امينة، والوطن الذي حلمتم فيه واستشهدتم من أجله سيعود وطنا سيدا، وقراره حر ووطنا مزدهرا. وكونوا متأكدين أن الغد لنا. نعم الغد لنا لأن قتالكم وصبركم واستشهادكم ووجعنا ووجع اهاليكم لم يذهبوا سدى. فبعد كل الظلم والظلام هناك نور، وبعد القتل والموت هناك بالتأكيد قيامة".