على وقع اللقاء الذي عُقد في الرياض بين الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان والوزير نزار العلولا في حضور السفير وليد بخاري تعاود اللجنة الخماسية على مستوى السفراء الممثلة للمملكة العربية السعودية ومصر وقطر وفرنسا والولايات المتحدة الاميركية اجتماعاتها بلقاء يوم السبت في 14 الجاري، في محاولة جديدة من الدول الخمس لإعادة الاستحقاق الرئاسي الى اولويات الاهتمامات، وذلك من خلال مبادرة يُقال إنها تحمل في طياتها ما هو جديد لكي تطرحه على القوى السياسية الداخلية وتشجيعا على التوافق على انتخاب رئيس في أسرع وقت ممكن قبل أن تصبح هذه العملية شبه مستحيلة مع مرور الوقت وتعاظم مفعول قوة العراقيل، التي قد توضع في دواليب "اللجنة الخماسية".
وفيما تعد لجنة السفراء عدّتها لطرح ما تراه مناسبًا أكثر من أي أمر آخر لإخراج الاستحقاق الرئاسي من عنق زجاجة الأزمات المتراكمة، جاء كلام الرئيس نبيه بري، بحسب ما نُقل عنه، عن عدم تفاؤله بأن تشهد الساحة الداخلية حلحلة معينة في الملف الرئاسي من خلال إصراره على اشراك الجميع في الحوار، بمن فيهم المعترضون على طريقة الدعوة إليه. وهذا أمر يعتقد كثيرون أنه سيكون من بين أولويات مهمة "اللجنة الخماسية" في اتجاه المعارضة في محاولة منها لإقناعها بضرورة الذهاب إلى الحوار، الذي يدعو إليه الرئيس بري، مع تأكيدها ضمان ألا تصبح هذه الدعوة عرفًا تخشى المعارضة من أن يتحّول هذا العرف إلى ما هو أقوى من الدستور.
فآلية عمل "اللجنة الخماسية"، وفي ضوء إيجابيات لقاء الرياض، ستحاول أن تمسك العصى الرئاسية من وسطها بعدما رأت في كلام الرئيس بري في ذكرى تغييب الامام موسى الصدر بعض الإيجابيات التي يمكن البناء عليها. ومن بين هذه الإيجابيات أن رئيس المجلس سجّل بعض التنازلات عندما تراجع عن مطالبته السابقة بأن يكون الحوار لمدة سبعة أيام واستبدّل رقم "7" بـ "بضعة أيام"، فضلًا عن قوله إنه بعد حوار الـ "بضعة أيام" يدعو الى جلسة واحدة بدورات متتالية الى ان ينتخب رئيس للجمهورية، ولا نخرج الا بعد انتخابه، بعدما كان ينادي في السابق بجلسات عدة بدورات متتالية.
ويُنقل عن بعض أعضاء "الخماسية" عن أن الإصرار على رفض مبادرة برّي سيؤدّي الى المزيد من التشرذم والتشنّج السياسي في الداخل، في ظلّ المواجهات العسكرية الملتهبة عند الجبهة الجنوبية. ولهذا سيحاول سفراء "الخماسية"، بعد توحيد نظرتهم إلى إمكانات الحّل، طرح مخرج ما، كأن يُمارَس على قوى المعارضة نوع من "الضغط المعنوي" للموافقة على تلبية دعوة بري الحوارية، ولكن دون هذه المهمة عقبات تعرف "الخماسية" أبعادها، ومدى تمسّك "المعارضة" بأولوية تطبيق الدستور ببنوده الواضحة، والتي لا لبس فيها، والتي تحدّد آلية انتخاب رئيس الجمهورية.
وتضيف أوساط قوى "المعارضة" ردًّا على كلام الرئيس بري من أنه لم يسمع يوماً احداً يقول ان الحوار مخالف للدستور او يعدّله، بإحالته إلى كلام رئيس حزب "القوات اللبنانية" الدكتور سمير جعجع، الذي لم يمانع بالذهاب إلى حوار لتعديل الدستور حتى، ولكن بعد انتخاب رئيس جديد للجمهورية، على أن يكون هذا الحوار برعايته وفي قصر بعبدا بالذات وليس في أي مكان آخر، باعتبار أن رئيس الجمهورية هو لجميع اللبنانيين وليس لفئة دون أخرى، وهو الحاكم والحكم وليس فريقًا كما هي الحال مع وضعية الرئيس بري، الذي هو ركن أساسي في محور "الممانعة".
فـ "الخماسية" مقتنعة بوجهتي نظر الرئيس بري كما بوجهة نظر "المعارضة"، وهي تحاول من خلال إعادة طرحها السابق القائم على ذهاب الجميع إلى الخيار الثالث عبر مرشح لا يكون محسوبًا على فريق واحد لأنه سيُقَابَل برفض أكيد من الطرف الآخر. فـ "الحل الوسط" هو الخيار الأنسب كقناعة توصّل إليها السفراء الخمسة. إلا أن هذا الخيار لا يمكن الوصول إليه إلا من خلال حوار أو مشاورات تكون برعاية الدول الخمس. وهذا ما يمكن أن يطرحه لودريان في زيارته المرتقبة لبيروت قريبًا.
ما هو بات شبه مؤكد هو أن الحلول الرئاسية باتت جاهزة في مطابخ "الخماسية"، خصوصًا بعدما لمست أن ثمة تبدلًا في مواقف الاطراف، لجهة المرونة التي تسمح بالتوصل الى تفاهمات، تُخرج الملف من دائرة المراوحة او الجمود. ولكن وضع الجنوب الذي يشهد هبة باردة وأخرى ساخنة يبقى الهمّ الأساسي قبل أي همّ آخر.