لا مؤشّرات تُوحي حتّى الآن بتفاؤل بانتخاب رئيسٍ للجمهوريّة، فحراك الموفد الفرنسيّ جان إيف لودريان واجتماع سفراء الدول الخمس لا يعنيان أنّ هناك جديدا على صعيد الرئاسة، مع تمسّك كلّ طرفٍ لبنانيّ بالتعطيل وبالشروط عينها التي لم تتبدلّ منذ حوالى السنتين. ومع استمرار الفراغ والتوقّع بأنّ يطول أكثر، يعود بعض النواب بين الحين والآخر الى طرح إجراء إنتخابات نيابيّة مبكرة أو الإنتظار للعام 2026 لتجديد البرلمان، ريثما يحصل فريق معيّن على الأكثريّة التي تُخوّله حلّ العقد الدستوريّة.
في المقابل، يبدو أيضاً الحديث عن إجراء إنتخابات نيابيّة في غير مكانه، فهناك أحزاب تمرّ فعليّاً بأزمة سياسيّة داخليّة، وقد أتت نتائج الإنتخابات الأخيرة مُخيّبة للآمال ليس فقط لبعض الأفرقاء السياسيين وإنّما للعديد من اللبنانيين وخصوصاً من هم في بلدان الإغتراب. من هذا المُنطلق هناك عدم حماسة شعبيّة وسياسيّة للتحضير لمعركة إنتخابيّة جديدة، وقد يجد البعض أنّ مجلس النواب الحاليّ أفضل من الذي قد يُنتخب.
كذلك، فإنّ قانون الإنتخاب أصبح يُشكّل مشكلة لبعض الأفرقاء، كما أنّ من كان يُطالب بالنسبيّة بات يُريد إدخال تعديلات عليه، لأنّ أيّ إنتخابات مُقبلة قد تُخفض عدد نواب الكتل أو ترفعها في ظلّ الأزمة السياسيّة المُعقّدة بين فريقين: الأوّل يُطالب برئيس سياديّ والآخر بشخصيّة "تحفظ ظهر المقاومة".
ولأنّ هناك صعوبات لإجراء الإنتخابات وأيضاً تبقى إحتماليّة التمديد للمجلس الحاليّ واردة، فإنّ البرلمان المُنتخب في العام 2022 قد يكون بالفعل من سينتخب رئيس الجمهوريّة المقبل حتّى لو استمرّت أزمة الشغور إلى مدّة طويلة، فهناك تعويلٌ على حصول تسويّة قد تكون دوليّة وربما تُبصر النور بعد انتهاء الحرب في غزة قد تشمل دعم الدول الغربيّة لأحد المرشّحين. وفي هذا السياق، فإنّ الموفد الأميركيّ آموس هوكشتاين لديه طروحات شاملة للمشكلة اللبنانيّة تتعدى النزاع في غزة والمعارك بين "حزب الله" وإسرائيل، وتصلّ إلى حدّ إنهاء مُعضلة ترسيم الحدود البريّة الجنوبيّة وإعادة الأراضي المحتلّة إلى لبنان، إضافة إلى تقديم رؤية تتعلّق بحلّ مشكلة الرئاسة والنهوض الإقتصاديّ.
وبالنسبة لبعض الكتل التي تُريد أنّ تكون مُشاركة بقوّة في الحكم الجديد، فإنّ الفرصة سانحة أمامها في حال انتخاب رئيس لتكون ممثلة في الحكومة المُقبلة، مستفيدة من وجود معارضة ترفض أنّ تكون شريكاً لها في إدارة البلاد. فكما يُشدّد "الثنائيّ الشيعيّ" و"التيّار الوطنيّ الحرّ" والحزب "التقدميّ الإشتراكيّ" وغيرهم من الكتل والأحزاب على ضرورة إجراء الحوار للخروج بتوافقٍ، هناك أيضاً تشديد على أنّ تكون الحكومة الأولى للرئيس المقبل جامعة لكافة المكوّنات الوطنيّة، لحلّ المشاكل الإقتصاديّة والماليّة بشكل جماعيّ من دون إقصاء أيّ فريقٍ.
إذاً، ورغم العقبات الكثيرة التي تُواجه الإستحقاق الرئاسيّ، فإنّه لا مفرّ حتّى لو طال الفراغ من إنتخاب رئيس للجمهوريّة، ففي كافة المُناسبات منذ نهاية ولاية الرئيس إميل لحود وحتّى انتخاب الرئيسين ميشال سليمان وميشال عون، مرّت البلاد بشغور بسبب الإنقسام السياسيّ، وكانت دائماً هناك تسويّة حاضرة إنّ عبر حوار وإنّ عبر تحالفات نيابيّة تفضي إلى انتخاب رئيسٍ. وفي هذا الإطار يقول مرجع نيابيّ بارز إنّ البلاد لا يُمكن أنّ تبقى من دون رأس الهرم، وقد يُنتخب الرئيس اليوم أو غداً أو بعد سنة أو أكثر، لكن الأكيد أنّ المجلس الحاليّ هو من سينتخب رئيس البلاد، ولا يُمكن القول إنّ الحراك الخارجيّ والداخليّ غير بنّاء، فهذه المُحاولات والمُبادرات والإجتماعات أفضل من الجلوس دون عمل أيّ شيء.