لم يخرج لبنان من الصدمة التي حلت به باغتيال إسرائيل للعدد الأكبر من قيادات "حزب الله" وكوادره العسكرية، أثناء اجتماعهم في الضاحية الجنوبية لبيروت، في محاولة ليست الأولى ولا الأخيرة، لاستدراج الحزب لتوسعة الحرب، رغم أنه ليس في وارد الانزلاق إليها إلا إذا اضطر للرد لمنعها من الإطاحة نهائياً بقواعد الاشتباك وإسقاطها الخطوط الحمر التي تجاوزتها للمرة الثالثة بعد اغتيالها القيادي في "حماس" صالح العاروري، والقيادي في الحزب فؤاد شكر.
وكتب محمد شقير في "الشرق الاوسط": لبنان يتخوف من أن تكون إسرائيل قد حسمت أمرها، وقررت توسعة الحرب استجابة لدعوة رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو بوجوب تغيير الوضع الميداني على الأرض، وهذا ما دفع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي إلى تشغيل محركاته دولياً وعربياً لمنعها من توسعة الحرب، بعد أن صرف النظر عن التوجّه إلى نيويورك للمشاركة في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها العادية، مكلفاً، بالإنابة عنه، وزير الخارجية عبد الله بو حبيب بالدفاع عن وجهة نظر لبنان، محملاً إسرائيل مسؤولية ما ارتكبته من اغتيالات.
لكن منسوب القلق أخذ يتصاعد حيال إصرار إسرائيل على استدراج الحزب لتوسعة الحرب، مع أنها كانت السباقة إلى توسعتها باجتياح أجهزته الخاصة بالاتصالات واغتيال المزيد من قادته وعلى رأسهم قائد وحدة الرضوان إبراهيم عقيل.
وإلى أن يكتمل المشهد العسكري في الجنوب وتمدده إلى الضاحية، فإن لبنان برمته أصبح مكشوفاً سياسياً وأمنياً، لافتقاده حتى الساعة شبكة الأمان الدولية لمنع تمادي إسرائيل من توسعة الحرب، وهذا يتطلب من القوى السياسية انفتاح بعضها على بعض لتحصين الوضع الداخلي، الذي يتآكل يوماً بعد يوم، بوصفه شرطاً لإعادة تكوين السلطة لضمان انتظام المؤسسات الدستورية، لئلا يتحول إلى جمهورية بلا رئيس.
لكن إعادة تجميع الصفوف تبدأ أولاً بـ"حزب الله"، الذي يُفترض أن يبادر إلى إجراء مراجعة جدية لتقويم وضعه سياسياً وعسكرياً كونه شرطاً للخروج من الصدمة التي حلت به، ولإخراج البلد من حالة القلق التي يمكن أن تهدد مصير اللبنانيين ما لم تتدارك القوى السياسية خطورة الوضع وتبادر للبحث عن صيغة للملمته قبل فوات الأوان، لن تتأمن إلا بالتوافق على تسوية تاريخية قاعدتها انتخاب الرئيس.
ولأن الممر الإلزامي لتقويم الوضع يبدأ بـ"حزب الله"، فيتوجب عليه الابتعاد عن المكابرة لتصويب الخلل غير المسبوق والاعتراف بالأخطاء التي أتاحت لإسرائيل اختراق صفوفه وصولاً لاغتيالها أبرز قياداته الميدانية.
فالخطأ الذي ارتكبه الحزب، كما يقول عدد من أصدقائه قبل معارضيه، يكمن في أنه سمح بأن تتحول وحداته القتالية إلى جيش نظامي تسبب في الانفلاش المشكو منه، بخلاف السنوات الأولى من انخراطه في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي التي اتسمت بسرية تامة، واقتصرت على مجموعات تعداد عناصرها محدود، ولا تخرج من أماكن وجودها تحت الأرض، إلا لاستهداف المواقع الإسرائيلية.
كما يُفترض بالحزب أن يعطي فرصة لنفسه ويتعاطى بمرونة وانفتاح مع الدعوات للتفاوض غير المباشرة، وأن يطلق يد الرئيس بري في كل شاردة وواردة تتعلق بالعروض الدولية، ومنها الأميركية، للتوصل إلى وقف إطلاق النار، ولم يكن أمينه العام حسن نصر الله مضطراً لتأكيد مساندته لـ "حماس" في ردّه على اجتياح إسرائيل أجهزته اللاسلكية والأخرى المعروفة بالـ"بيجر".
ولا يعني هذا، كما يقول أصدقاء الحزب قبل معارضيه، إن هناك من يريد حشر الحزب في الزاوية، بمقدار ما أن المطلوب من قيادته عدم حشر اللبنانيين الذين يقولون، على لسان معظم قياداتهم، باستحالة تسويق تسوية لإنقاذ لبنان، ومنعه من الانزلاق نحو المجهول، تكون على حساب الحزب.