في الوقت الذي أمطرت فيه إسرائيل البقاع والجنوب بصواريخ حصدت حياة أكثر من 1000 شخص، كانت حرب من نوع آخر تحدث على أرض الميدان، بعيدًا عن القصف والتدمير.. هذه الحرب لم يقم بها جنود وضباط، بل أدارها أشخاص باتوا يعرفون بـ"تجار الأزمات" اعتاد عليهم اللبنانيون منذ القدم، إذ يلمع بريقهم بشكل دائم خلال الأزمات.. فمن منّا لا يتذكر تجّار البنزين والغاز والمازوت والخبز والدواء خلال الأزمة الأخيرة التي ضربت البلاد، ومن منّا لا يتذكر تجّار الطوابع والدولار.. أما اليوم، ها نحن قد وصلنا لنحارب تجّار المنازل والذهب في لبنان.
هذه الفئة من التجار غالبًا ما تنصب عيناها نحو الارباح، وهدفها الاول والاخير الأموال وفقط الأموال، إذ لا تهتم لا للوضع الصعب ولا للمشاعر الإنسانية المفقودة في قاموسها.. فمن يرى بورصة الذهب والمنازل في لبنان اليوم، يدرك أن الإنسانية باتت تقبع في الدرك الاسفل، ويظن لوهلة أن الحرب العالمية الثالثة قد بدأت.
المأوى فرصة للتجار الجشعين
منذ اليوم الأول لاندلاع العدوان الإسرائيلي على لبنان، ضربت الاسعار ضربتها، خاصةً على صعيد تأجير البيوت، حيث باتت الشقق المعروضة للإيجار بمثابة سلعة نادرة من الصعب الحصول عليها.
فبدءًا من عملية التأجير، شهدت أسعار المنازل المعروضة للإيجار قفزة كبيرة جدًا وصلت في بعض الأماكن إلى 380%، حيث أن الشقة الذي كان يبلغ بدل ايجارها 250 دولارا وصل اليوم إلى 1200. هذا الرقم لا يعني أنّك حصلت على منزل بمواصفات خيالية، لا بل هذا الامر يشمل منزلا عاديًا مفروشًا لا يتسع في بعض الاحيان إلى أكثر من 10 أشخاص.
وخلال رصد "لبنان24" لمواقع التأجير الحالية المعتمدة في لبنان، فإن البورصة ترتفع رويدًا رويدًا، خاصة مع اشتداد العمليات في الجنوب، علمًا أن العدد الأكبر من المنازل لا يصلح في الوقت الحاضر للعيش فيها، لسبب إما أنّها تعرّضت للدمار، أم أنّها آيلة للسقوط، مع انتشار تقارير تؤكّد أن العدو يستعمل قنابل مصمّمة لتدمير الانفاق تحت الأرض، وهذا ما سيسبب في طبيعة الحال بارتجاجات ستؤثر على هيكلية المباني.
وإلى حدّ الآن، ومع امتلاء مراكز الإيواء بالنازحين، لا يزال عدد كبير من النازحين يبحث عن منازل للإستئجار، على الرغم من اعتبارها مهمة شاقة نسبيًا، خاصة وانّ العدد الأكبر من المنازل في مناطق الجبل أو البعيدة نسبيا عن بيروت كانت قد أُجّرت خلال المرحلة الأولى من الحرب، ومعظم هذه المساكن تمّ دفع بدل استئجارها سلفًا لاشهر عديدة مقبلة.
ولإلقاء نظرة سريعة على حجم عملية استئجار البيوت، استقبل قضاء عاليه إلى حدّ اليوم ما يفوق 13 ألف نازح، وتضم المدينة لوحدها قرابة 1000 نازح داخل المراكز والمدارس. ومن اصل 13 ألفا، ما يقارب 2000 نازح استأجروا منازل في المنطقة.
وحسب عدد كبير من السماسرة الذي تواصل معهم "لبنان24" فقد أشاروا إلى أن هذه الأزمة لا يمكن تحميلها فقط لصاحب المنزل، إذ إن حتّى المستأجرين هم من يتسببون بأزمة، فعلى سبيل المثال في حال توفر منزل مؤجّر بـ500 دولار، يعمد نازح آخر الى رفع السعر وعرض مبلغ أكبر.
ويؤكّد أحد المساسرة لـ"لبنان24" أن منزلا في قضاء عاليه شهد معركة مزاد بين مستأجرَين انتهى بعرض واحد منهما مبلغا فاق 1000 دولار. وحسب السمسار فإن هذا المبلغ فتح شهية سماسرة ومكاتب واصحاب منازل لرفع الأسعار.
الذهب.. ليس أفضل حالا
على صعيد آخر شهد الذهب معركة من نوع آخر، إذ تهافت أصحاب رؤوس الأموال على شراء ما أمكن من الذهب من النازحين، حيث اضطر عدد كبير منهم إلى بيع الذهب لأجل تأمين بدل إيجار المنزل، أو لتامين الطعام والثياب والدواء.
وحسب مصادر عدّة، فإن تجّار الذهب الكبار في لبنان يراقبون عن كثب اتجاه المعركة، التي من شأنها أن تساهم في رفع أسعار الذهب بشكل أكبر، بعد أن وصل إلى مستويات تاريخية تخطت 2626 دولارا للأونصة.
ويؤكد خبير اقتصادي لـ"لبنان24" أن فتح جبهة جديدة رفع اسعار النفط والذهب، وحضّ التجار على شراء ما أمكن من الذهب كملاذ آمن.
ويرى الخبير أن التجار يحاولون استغلال النازحين، وذلك بناء على تحليلات تؤكّد أن اسعار الذهب سترتفع أكثر خلال الاشهر المقبلة، مشيرًا إلى أن ليرة الذهب التي تسجل اليوم قرابة 600 دولار، يعرض التجار على النارحين بيعها بقرابة 420 أو 440 دولارا. وحسب الخبير تحاول العديد من الجهات تجميع اكبر قدر ممكن من الليرات واونصات الذهب في الوقت الحالي.