تحظى سياسات الفيدرالي الأميركي باهتمامات عالميّة، انطلاقًا من تأثيره الاستثنائي في الساحة الماليّة الدوليّة، ودوره المحوري في توجيه مسارات الاقتصاد العالمي. من هنا اتجهت الأنظار العالميّة نحوه ترقبًّا لاتجاه الفائدة، فكان قراره بخفض معدلات الفائدة على الإيداع والإقراض للمرة الأولى منذ العام 2020، بمقدار 50 نقطة أساس، أي بنسبة 0.5% إلى نطاق 4.75 و5%، وهي نسبة أعلى من التوقّعات.
هل يعد خفض الفائدة الأميركية خبرًا جيدًا بالنسبة للاقتصاد العالمي؟ أي تبدّلات في الأسواق العالمية ستنتج عن اتجاه الفائدة؟وهل يتأثر لبنان واقتصاده المدولر سلبًا أم إيجابًا؟
خفض الفائدة الأميركية بمقدار 50 نقطة أساس، له تأثيرات متعدّدة على الاقتصاد العالمي، بعضها إيجابي والبعض الآخر سلبي، وفق الظروف الاقتصادية الخاصّة بكل بلد، يقول عميد كلية إدارة الأعمال في الجامعة الأميركية للتكنولوجيا الخبير الاقتصادي البروفسور بيار الخوري في حديث لـ "لبنان 24"، في الشق الإيجابي يعتبر خفض الفائدة خبرًا جيدًا في بعض الأحيان، كونه يخفّف من كلفة الاقتراض، مما يشجّع الشركات والأفراد على الاستثمار والإنفاق. ومع ذلك، إذا نظرت الأسواق الى خفض الفائدة أنّه أكبر من المتوقع، فقد يشير إلى قلق البنك المركزي بشأن التباطؤ الاقتصادي أسرع مما هو مخطط. على هذا الأساس، قد تعتبر الأسواق خفض الفائدة إشارة إلى وجود مشاكل أعمق في الاقتصاد.
تأثير خفض الفائدة الأميركية على لبنان
لبنان، باعتباره اقتصادًا يعتمد بشكل كبير على الدولار الأميركي من خلال الدولرة الواسعة لاقتصاده، يتأثّر نظريًّا بشكل مباشر بقرارات الفيدرالي الأميركي، يشرح الخوري "إذا تمّ خفض الفائدة في الولايات المتحدة، يفترض أن يشهد لبنان تدفّقًا أكبر من الدولارات نتيجة لزيادة السيولة العالميّة، خاصة إذا كانت الظروف المحليّة أكثر استقرارًا. لكن في ظل الوضع الحالي، حيث يعاني البلد من مشاكل اقتصاديّة وسياسيّة وامنية ، من غير المنطقي توقّع ما إذا كان خفض الفائدة الأميركية سيؤدي إلى تحسين ملموس. قد يساهم خفض الفائدة في تسهيل شروط الاقتراض للحكومة اللبنانية، لكنّها حكومة منصنّفة من قبل المؤسسات المتخصصة بأنّها متعثرة، وبالتالي هناك فرصة صفر للبنان للاستفادة من تخفيض الفائدة" .
تدفّق السيولة في الدول التي تحذو حذو الفيدرالي الأميركي
سبقت البنوك المركزية الموجودة في منطقة اليورو نظيرها الأميركي في خفض الفائدة، ثم سارعت المصارف المركزية في دول الخليج إلى اتخاذ إجراءات مماثلة عقب إعلان البنك المركزي الاميركي عن خفض سعر الفائدة "دول الخليج وغيرها من الدول التي تربط عملاتها بالدولار تتأثّر بشكل مباشر بقرارات الفيدرالي الأميركي، وعندما تنخفض الفائدة الأميركية، قد تتبع هذه الدول هذا المنحى لتجنب زيادة الفرق بين أسعار الفائدة المحليّة والدوليّة، مما قد يؤدي إلى تدفّقات رأس المال للخارج" يشير الخوري مرجّحًا أن تشهد الدول التي تتبع الفيدرالي في خفض الفائدة تدفّقًا أكبر للسيولة واستثمارات جديدة "عندما تنخفض تكلفة الاقتراض، يصبح تمويل المشاريع والاستثمارات أقل تكلفة، مما قد يدفع الشركات إلى التوسّع وزيادة الإنتاج. لكن، يعتمد التأثير النهائي على الثقة الاقتصادية وبيئة الأعمال في تلك الدول. في الوقت نفسه، قد يسهم خفض الفائدة في تخفيف الضغط على ميزانيات تلك الدول وتحفيز الاستثمار الداخلي، لكن مدى الاستفادة يعتمد على سياسات الحكومات والوضع المالي العام، وهذا يختلف من منطقة إلى أخرى ومن دولة إلى أخرى، حتّى في المنطقة نفسها".
خفض فاتورة الاستيراد
بما أن الدولار هو عملة التجارة العالميّة والعملة الغالبة على الاحتياطيات النقديّة العالمية، هل انخفاض قيمته بفعل خفض أسعار الفائدة يفيد الاقتصاد العالمي لاسيّما لجهة خفض فاتورة الاستيراد؟
"عندما تنخفض الفائدة على الدولار، فإنّه يفقد بعض قوّته مقارنة بالعملات الأخرى، مما يجعل صادرات الولايات المتحدة أكثر تنافسيّة في الأسواق العالميّة" يشرح الخوري "بالنسبة للاقتصاد العالمي، قد يكون ضعف الدولار مفيدًا للبلدان المستوردة، حيث ينخفض سعر الواردات المسعّرة بالدولار مثل النفط والسلع الأخرى. هذا يمكن أن يؤدي إلى خفض فاتورة الاستيراد للدول التي تعتمد على استيراد المواد الأساسيّة بالدولار، مما يدعم قدرتها على تمويل مشاريع أخرى".
مصير الفائدة الأميركية
تترقب البنوك المركزية حول العالم اتجاهات الفدرالي الأميركي المقبلة، وما إذا كان سيواصل منحى خفض الفائدة، في الاجتماعين المرتقبين في تشرين الثاني وكانون الأول المقبلين. وفق الخوري تعتمد توقعات الفيدرالي الأميركي بشكل كبير على البيانات الاقتصاديّة المتعلّقة بالتضخّم، البطالة، والنمو. في حال استمر تباطؤ الاقتصاد الأميركي أو بقي التضخّم منخفضًا، قد يتّخذ الفيدرالي قرارًا بمواصلة خفض الفائدة أو إبقائها منخفضة لفترة أطول.
عن تأثير الانتخابات الأميركية على قراره يلفت الخوري إلى استقلاليّة الفيدرالي عن الضغوط السياسيّة، لكن في أوقات الانتخابات قد يكون هناك بعض التأثير غير المباشر من خلال التوقّعات السوقيّة وردود الأفعال من السياسيين حول السياسات الاقتصادية. ولكن تصريح محافظ الاحتياطي الفدرالي جيروم باول يشير إلى أنّ التوقّعات السابقة بخفض واسع للفائدة غير موضوع على جدول الأعمال.
في قائمة الرابحين من خفض الفائدة الأميركية، يأتي كلٌّ من الذهب، النفط، أسواق الأسهم العالمية، المقترضون لاسيما حكومات الدول، قطاع الصادرات، والاقتصادات المحليّة في العالم التي ستستقبل سيولة نقديّة على شكل استثمارات، من هنا يتطلّع صنّاع السياسات الاقتصادية حول العالم إلى تحقيق ازدهار اقتصادي من جرّاء خفض الفائدة الأميركية، على أن يترافق ذلك مع إدارة حذرة لتجنّب التضخم المفرط.