استهدف العدو الإسرائيلي، فجر اليوم السبت، مخيم البداوي للاجئين الفلسطينيين شمال لبنان، عبر غارة جوية نفذتها طائرة مسيّرة، وهي الأولى من نوعها على هذه المنطقة منذ بدء المواجهات مع حزب الله.
وتركّزت الغارة على شقة سكنية في حي مكتظ بالسكان داخل المخيم، مما أسفر عن استشهاد القيادي في كتائب القسام سعيد العلي، وزوجته شيماء عزام، وطفلتيهما زينب وفاطمة.
وتحدث شهود عيان عن تفاصيل الضربة الإسرائيلية وما تلاها. وفي السياق، قال أحمد حزبوز، أحد سكان المبنى المستهدف، بأن الانفجار كان عنيفا وفقد على إثره التركيز، فيما سادت حالة من الارتباك والذعر باقي الأهالي، خاصة الأطفال.
وأضاف أنه، بعد استيعابه للصدمة، توجه لبيت المستهدف مع عشرات الأهالي، واستطاعوا فتح باب الشقة بصعوبة، لكن الحريق الهائل الذي اندلع بداخله جعل مهمة الإنقاذ مستحيلة.
ويقول حزبوز إنه في ظل غياب تجهيزات الدفاع المدني اللازمة، حاول السكان استخدام وسائل بدائية كدلاء المياه لاحتواء الحريق، ولكن دون جدوى.
من ناحيته، قال الصحفي الميداني عبد الناصر الحدري إن اللحظات الأولى للقصف كانت مليئة بالحيرة والخوف، حيث لم يدرك الأهالي طبيعة الانفجار، وإن كان بداية لعملية واسعة، أو اعتداء محدوداً.
ووفق الحدري، بدأ بعض السكان بالاستعداد للنزوح سريعا، ظنا منهم أن القصف الواسع قد امتد إلى شمال لبنان، ومع مرور الوقت، استعاد الأهالي معنوياتهم وقرروا الصمود والبقاء في المخيم.
تاريخ من التهجير
يقع مخيم البداوي على بُعد 5 كيلومترات من مدينة طرابلس اللبنانية، وهو من المخيمات التي أسستها وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، لإيواء اللاجئين الذين هُجِّروا قسرا من فلسطين خلال النكبة عام 1948.
ويضم المخيم اليوم نحو 30 ألف لاجئ فلسطيني، بالإضافة إلى لاجئين مهجّرين من مخيم نهر البارد، الذي دُمّر خلال أحداث 2007، إلى جانب آلاف اللاجئين السوريين ومئات العائلات اللبنانية التي نزحت مؤخرا من جنوب لبنان عقب تصاعد العدوان الإسرائيلي.
وعلى مدار العقود الماضية، جذب المخيم أعدادا كبيرة من اللاجئين الفلسطينيين الذين تم تهجيرهم من مخيمات أخرى دُمّرت خلال الحرب الأهلية اللبنانية، مثل مخيم النبطية الذي دُمر عام 1974، ومخيم تل الزعتر الذي دُمر عام 1976.
حرمان
رغم مرور عشرات السنين على نشأة المخيم، لا يزال سكانه يعانون من غياب الحقوق الأساسية، حيث يُحظر على اللاجئين الفلسطينيين في لبنان العمل في نحو 30 مهنة، إضافة إلى منعهم من التملك أو الانتساب إلى النقابات، مما يخلق واقعا معيشيا صعبا يزداد سوءا مع تفاقم الأوضاع الاقتصادية في البلاد.
ووفقا لوكالة الأونروا، يعاني المخيم من نقص حاد في الخدمات الأساسية والبنية التحتية، ويعتمد سكانه بشكل كبير على الخدمات التي تقدمها الأونروا، التي تشمل التعليم والصحة والإغاثة، ويوجد في المخيم 3 مدارس ومركز صحي رئيسي، إلا أن هذه الخدمات غير كافية لتلبية احتياجات سكانه المتزايدة.
ورغم الظروف الصعبة التي يعيشها سكانه، يبقى التوجه العام بين الأهالي هو البقاء والصمود في المخيم، وعدم الرضوخ لمحاولات التهجير مرة أخرى، إذ يرى الكثير من اللاجئين أن العودة إلى قراهم ومدنهم في فلسطين يبقى الهدف الأسمى الذي يتمسكون به، تطبيقا لقرار الأمم المتحدة 194.
من جانبه، قال المسؤول السياسي لحركة حماس في مخيم البداوي مهدي عساف إن "الجريمة البشعة التي قام بها الاحتلال في منطقة سكنية آمنة تنذر بأنه لا يتوانى عن استهداف الأطفال والمدنيين"، مشدداً على أن "هذه الجريمة لن تمر دون عقاب"، وأن "مخيم البداوي، الذي كان دوما رمزا للعطاء، سيبقى حاضنة شعبية للمقاومة".
وتأتي هذه العملية ضمن سلسلة من الاغتيالات التي استهدفت قادة حركة حماس وجناحها العسكري، كتائب القسام، في لبنان، حيث شهدت الشهور الماضية عمليات مماثلة استهدفت قيادات بارزة مثل فتح شريف في مخيم البص جنوب لبنان، وصالح العاروري في الضاحية الجنوبية لبيروت مطلع هذا العام. (الجزيرة نت)