بالرغم من النضال النسوي المستمرّ لانصاف المرأة من سطوة الرجل، لا تزال النساء والفتيات عرضة في كل دقيقة لجرائم العنف الأسري. وتشمل مظاهر العنف ضد النساء، جوانب عدة من قبيل الزواج المبكر والاعتداء الجنسي واللفظي، وتتنوع انتهاكات حقوق النساء بين خدمتهن للرجال في بعض المجتمعات، وحرمانهن من الحق في التعلم والعمل. ورغم كل محاولات الدول والمنظمات الحكومية وغير الحكومية لمواجهة هذه الظاهرة الخطرة، لا تزال الأرقام والمؤشرات في تزايد مستمر. وبحسب أرقام الأمم المتحدة، تتعرض واحدة من كل ثلاث نساء للعنف، ويكون الاعتداء صادرا في الغالب عن زوج أو شريك حميمي. ويعود ذلك إلى غياب المعالجة الجدّية التي تتطلب وضع خطة متكاملة لإنهاء هذه الظاهرة التي لا تؤثر فقط على المرأة إنما على المجتمع بأكمله.
والتمييز ضد المرأة هو "أي تفرقة أو استبعاد أو تقييد يتم على أساس الجنس"، ويكون من آثاره "إحباط الاعتراف للمرأة بحقوق الإنسان والحريات الأساسية في الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية".
ولم تكن انتهاكات حقوق النساء حكرا على البلدان المتخلفة، بل إن دولا عظمى، شهدت حالات شائنة من ذلك. حيث بلغت نسبة العنف ضدّ النساء في قارة أوروبا 22%، وفي الأميركيتين 25%، وفي أفريقيا 33%، وفي الشرق الأوسط 31%، وفي منطقة جنوب شرق آسيا 33%، وذلك بحسب إحصاءات منظمة الصحة العالمية.
ووفقا للتقارير فإن مشكلة العنف ضد المرأة في المنطقة العربية، تزداد خطورة في مناطق الحروب والصراعات.
وتعاني نحو 26 في المئة من الأسر في اليمن من العنف الأسري، وتليها المغرب التي تبلغ فيها نسبة العنف الأسري 25 في المئة،
وجاءت مصر ثالثة بنسبة 23 في المئة، والسودان 22 في المئة، والجزائر 21 في المئة، والأراضي الفلسطينية 14 والعراق 12 في المئة. وكانت أقل نسب للعنف الأسري في لبنان وتونس والأردن بـ6 في المئة.
ويؤكد موقع هيئة الأمم المتحدة للمرأة، أنّ نسبة ثلاثين بالمئة من النساء في العالم، تعرضن للعنف من قبل الأزواج، في حين تشكل الفتيات والنساء ممن تخطين الثامنة عشرة من العمر، نسبة خمسين بالمئة من ضحايا الإتجار بالبشر.
تؤكّد المعالجة النفسية "زينب ديب" أن "تزايُد حالات العنف الأسري ضدّ النساء مشكلة خطيرة تواجهها مجتمعات عدّة، ولا تزال تتفاقم في لبنان. وهناك عوامل تلعب دوراً في تفاقم هذه الجرائم منها، التمييز الجنسي، وسوء استخدام السلطة، وقلة الوعي والأزمات الاقتصادية والقضائية والأمنية التي يشهدها البلد، ولا نقصد بالعنف الجسدي الفيزيائي فقط، فللعنف 3 أقسام: عنف جسدي فيزيائي، وعنف جنسي، وعنف سيكولوجي نفسي. ومع الأسف ففي كثير من الدول لا يُعار العنف النفسي اهتماماً رغم أن له آثاراً كبيرة على مستقبل المرأة المعنّفة".
وقالت ديب "حقوق المرأة من حقوق الإنسان، ونحن بحاجة إلى اتخاذ خطوات ملموسة على وجه السرعة للنهوض بحقوق المرأة. ومن الضروري التوعية خصوصاً بين الأجيال الجديدة، وتوفير الدعم النفسي والاجتماعي والمادي للضحايا. كما يجب تأكيد أهمية الاستجابات السريعة والفعالة من الجهات الأمنية. واليوم، أصبح للمرأة صوت يصل إلى المسؤولين عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وحتى لو كانت محبوسة في بيتها فتستطيع أن ترسل تغريدة تأخذ بها حقها".
وتحذر من أن "العنف الممارس ضد المرأة يمكن أن يؤدي إلى تكبد تكاليف اجتماعية واقتصادية ضخمة تخلف آثارا عديدة على المجتمع، فقد تعاني النساء من العزلة وعدم القدرة على العمل وفقدان الأجر ونقص المشاركة في الأنشطة المنتظمة".
وهنا تشير الى أن دور الجمعيات النسوية لا يقتصر على التوعية فقط، بل تقدّم الدعم القانوني والاجتماعي والنفسي، فهناك العديد من النساء اللاتي تفتقرن الى القدرة على توكيل محامي أو حتى الاستحصال على تقرير طبيب شرعي لإثبات موضوع العنف. كما انها تؤمّن مراكز ايواء للنساء المعرضات للقتل. وإن تأهيل الضحايا نفسياً ومنحهم التعويض عما أصابهم من جراء العنف الذي تعرضن له أمر أساسي لمساعدتهن على إعادة استكمال حياتهن والنهوض مجدداً.
وفي هذا السياق تشدّد ديب على أهمية أن "تكسر المرأة صمتها ولكن بطريقة ذكية، ولا تنصح المعنَّفة باستفزاز زوجها، ويُفضّل أن تلجأ إلى المراكز المختصّة والجمعيات التي تعلّمها كيف تنسحب بطريقة ذكية وكيف تجمع الاثباتات التي تدينه".
وفي حديث خاص مع إحدى الناجيات من العنف الأسري، تروي سلمى، قصتها قائلة، "نشأت في بيئة شديدة الصلابة تجاه التقاليد وتربينا في مجتمع متحفظ ومن العيب أن تشتكي فيه المرأة مهما عُنِّفت، إذ تعرضت للعنف المعنوي والنفسي منذ الصغر. وبعد الزواج واجهت عنفاً متزايداً، بخاصة بعد اكتشاف إدمان زوجي على المخدرات. ووصل العنف حينها إلى حد جعلني افتقد إحساسي بالأنوثة في ظل غياب الدعم من العائلة والزوج".
وأشارت سلمى، وهي أم لولدين الى أن زوجها عصبي بطبعه لكن الأزمة الإقتصادية زادت من عصبيته، ولم يتحكم بنفسه في مرات عدة، فقام بضربها لأتفه الأسباب، لكن خوفها من خسارة حضانة أولادها أجبرها على تحمل هذا الوضع.
وقالت أن العنف ضد المرأة مثل السرطان سبب جوهري للوفاة، وتلقي باللوم في استمرار ممارسة العنف ضد المرأة، خاصة في ما يعرف بجرائم الشرف على عجز المنظومة القانونية، وتساهلها مع مرتكبي حالات العنف ضد المرأة.
وتؤكّد أنّ "ردّة فعل المرأة في المرة الأولى التي تتعرّض فيها للعنف حاسمة لناحية ردع الزوج عن التمادي في عنف .وتنبّه من أنّ الرجل عندما يعنّف زوجته ولا يلقى ردة فعل من قبلها توقِفه عند حدّه، يشعر بالارتياح ويعيد الكرّة".
واشارت الى ان المشكلة ليست في وجود قوانين، بل في تطبيقها والتساهل مع مرتكبي العنف، وفي اعتراف المجتمع بأن الخلافات الأسرية قابلة للحل عن طريق المحاكم.
وقالت سلمى أن استقلالية المادية للمرأة يساعدها على التحررّ من الواقع الذي تعيشه، ويؤهلها لحضانة أطفالها في حال حدوث الطلاق، وتعليم وتثقيف الأجيال القادمة كالدفاع عن النساء والفتيات واحترامهن يعتبر أولوية في غاية الأهمية.
وفي الختام، العديد من النساء كسرّن حاجز الصمت. لكن، في المقابل، لا تزال هناك قصص كثيرة خلف الأبواب لم تروَ. ويبقى التأكيد على أن تتكلم المرأة الضحية عن مآسيها ولا تكتمها، وأن تطلب المساعدة من المجتمع والجمعيات والمخافر وتواجه واقعها للخروج من دوامتها المأسوية، لأنّ السكوت يعرّضها للموت ويحتّم على أولادها تحمّل هذه المآسي معها.