تجاوزت سوق النفط مفاعيل الحرب على غزة، ولم تشهد الأسعار ارتفاعات حادّة طيلة عام من الصراع المندلع في أكبر منطقة منتجة للنفط في العالم، وذلك بفعل عدم حدوث أي انقطاع في الإمدادات. لكن الوضع بات مختلفًا على وقع التهديد الإسرائيلي باستهداف منشآت النفط الإيرانيّة، وما قد ينتج عنه من صراع إقليمي واسع، من شأنه أن يؤثّر بشكل مباشر على الإنتاج النفطي، لاسيّما وأنّ إيران تصدّر حوالي 1.7 مليون برميل يوميًا، من مجموع إنتاجها الذي بلغ حوالي 3.42 ملايين برميل يوميًا في آب الماضي، وفق آخر تقرير لوكالة الطاقة الدولية.
تحتل إيران المركز الرابع بين أكبر الدول من حيث احتياطيات النفط في العالم بعد فنزويلا والسعودية وكندا، وفق إحصائيات شركة بريتيش بتروليوم. أهم حقولها النفطيّة حقل الاهواز وهو ثالث أكبر حقل نفطي في العالم، يأتي حقل كجساران في المرتبة الثانية، ثم حقل مارون، وحقل أزادكان المشترك بين العراق وايران وتبلغ حصة إيران منه 33 مليار برميل، وحقل أغاجاري. كما تمتلك إيران حقول غاز هي حقل فارس الجنوبي وحقل فارس الشمالي وحقل كيش، فضلًاعن محطّات إنتاج النفط والغاز ومنشآت التكرير.
حجم المخاطر وفق طبيعة الضربة
المتخصص في شؤون الطاقة الدكتور شربل سكاف، لفت في حديث لـ "لبنان 24" إلى أنّ الضربة الإسرائيليّة لإيران من شأنها أن تحدث صدمة، الأمر الذي سينعكس على أسواق النفط سلبًا بالنسبة للبعض وإيجابًا للبعض الآخر"هناك قرار اسرائيلي تمّ اتخاذه بالرد على إيران، يحاول الأميركي أن يدوّر الزوايا كي لا يحدث الردّ حربًا أشمل في المنطقة. أمّا مفاعيل الضربة فتختلف بحسب طبيعة وحجم الردّ الإسرائيلي، وما قد يستتبعه من ردّات فعل باتجاه دول الخليج وسط الحديث عن توجيه إيران تهديدات عبر قنوات دبلوماسيّةباستهداف البنية التحتيّة للنفط في منطقة الخليج، إذا تمّ استخدام أراضيها أو مجالها الجوّي لشنّ هجوم إلى إيران. وفي حال تفلتت الأمور ووصلنا إلى مثل هذا السيناريو سيتعذّر عندها تصدير النفط من منطقة الخليج، وسنكون أمام معضلة. ما يزيد من المخاطر الجيوسياسيّة أنّ الصراع في المنطقة يتزامن مع عقوبات على النفط الروسي. وكل هذه التطورات ستلقي بثقلها على السوق المنتظمة وليست السوداء، وسيكون لديها ردة فعل سلبيّة تنعكس في ارتفاع سعر برميل النفط. لكن لا يمكن لهذا المنحى أن يطول، لاسيّما وأنّ الاقتصاد العالمي يعاني من تبعات كورونا والتضخّم والحرب الروسيّة الأوكرانيّة وانعكاسها على سعر الغاز في أوروبا والدول الصناعية. بالتالي تزامن هذه الصراعات مع أزمة حادّة جديدة سيرفع بطبيعة الحال من سعر برميل النفط، وسنكون أمام أزمة على مستوى اقتصاد العالم في حال لم تتدخّل الدول للجمه".
أوبك+ ودوزنة سعر برميل النفط
يراهن البعض على الطاقة الفائضة لدى كبار المنتجين وقدرتهم العالية على زيادة الانتاج، في حال تمّ إخراج النفط الإيراني من السوق، ما يقلّل من تضرر الأسواق العالميّة ويسهم في تقليل تأثير الارتفاع المفاجئ في الأسعار، على اعتبار أنّ منظمة أوبك تستطيع تعويض النقص، خصوصًا أنّ لديها ما لا يقل عن خمسة ملايين برميل من النفط يوميًا تحجبها عن السوق. في سياق هذه المعادلة يلفت سكاف إلى التقاطع الخليجي الروسي على عدم هبوط سعر برميل النفط بشكل حاد "أحسن السعودي استخدام هذا المنحى، كي يحدث نوعًا من التوازن مقابل التفاهم الأميركي الإيراني. ساهم في ذلك وجود مصلحة لدى روسيا في عدم هبوط سعر برميل النفط بشكلٍ كبير، كونها تعتمد بشكل أساسي على المواد الأوليّة ومنها موضوع النفط والغاز".
معادلة العرض والطلب ليست وحدها العامل الرئيسي في تحديد سعر برميل النفط، هناك العامل الجيوسياسي الذي يلعب دورًا كبيرًا في تحديد السعر، وينعكس على قرارات الدول المنتجة حيال حجم الإنتاج، وفق سكاف "وجود تقاطع خليجي روسي، أو مصلحة معينة بعودة ترامب إلى البيت الأبيض، سيكون له تأثيره، على اعتبار أنّ ارتفاع سعر النفط يدعم عودة ترامب، وينعكس سلبًا على منافسته كامالا هاريس".
كيف يتأثر لبنان في ارتفاع أسعار النفط؟
ارتفاع سعر برميل النفط في الأسواق العالميّة سيلقي بتبعات سلبيّة على لبنان الذي يواجه عدوانًا إسرائيليًّا صادمًا في وحشيته وهمجيته، والمفاعيل السلبيّة لن تقتصر على ارتفاع في أسعار معظم السلع الاستهلاكية، فضلًا عن ارتفاع سعر مادة المازوت التي تعتبر أساسيّة في التدفئة على أبواب فصل الشتاء، بل هناك خوف أكبر يتعلق بالكميّات المتاحة والإمدادات ربطًا باستمرارية القدرة على الاستيراد في ظل غموض النوايا العدوانية المبيّتة تجاه لبنان، وهناك خوف من قطع للطرقات الداخلية بفعل الغارات، يلفت سكاف.
السيناريو الأخطر
أسواق النفط في حالة ترقب، لا سيّما وأنّ الصراع يدور في جغرافية حيوية لإمدادات النفط والغاز. كل السيناريوهات تجنح نحو السلبيّة، ولكن الأخطر منها يتركز حول احتمالية هجوم إيران على صادرات المنتجين الآخرين في المنطقة.