Advertisement

لبنان

طفولة مهددة.. كيف نحمي صحة أطفالنا النفسية من شبح الحرب؟

إليانا ساسين - Eliana Sassine

|
Lebanon 24
23-10-2024 | 04:30
A-
A+
Doc-P-1266866-638652590275133014.jpeg
Doc-P-1266866-638652590275133014.jpeg photos 0
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
Messenger
A+
A-
facebook
facebook
facebook
telegram
Messenger
Messenger
قصف، جدار، وغارات. هذه الأصوات أصبحت جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية، تشكل خلفية مأسوية لكل لحظة نعيشها. أما المشاهد، فهي مؤلمة بلا حدود؛ جثث ملقاة أمام أعيننا وأعين أطفالنا، مشاهد لمجازر ترتكب تتجاوز حدود الوصف، تترك أثرًا عميقًا في النفس. الخوف والقلق يعصفان بأرواح الأطفال، الذين ينبغي أن يكون عالمهم مليئًا بالبراءة، لكنهم يُجبرون على مواجهة واقع مريع. يتسلل الرعب إلى قلوبهم، وتهتز أركان الطفولة في خضم هذه الفوضى. يتركون منازلهم وينزحون إلى مناطق بعيدة بحثًا عن الأمان. فكيف يتأثر الأطفال في زمن الحرب؟ وكيف يمكن للأهل أن يلعبوا دورًا فعالًا في مساعدتهم على تخطي هذه التجارب الصعبة؟
Advertisement

تُبرز الأخصائية النفسية منال بو كروم تأثيرات عميقة وصادمة لأصوات الانفجارات والقذائف، بالإضافة إلى مشاهد الدم، على الصحة النفسية للأطفال الذين يعيشون في مناطق الحرب. تُعتبر هذه التأثيرات حادة، خاصةً في ظل الظروف القاسية التي يتعرض لها الأطفال، مثل النزوح وفقدان الأسرة والبيئة الآمنة، مما يزيد من تعقيد تجاربهم النفسية.
توضح بو كروم في حديثها مع "لبنان 24" كيف أن دماغ الطفل يُعتبر المركز المحوري للسلوكيات والعواطف، وهو يتفاعل بشكل شديد الحساسية مع التغيرات البيئية. تشير الأبحاث إلى أن الهيكل العصبي للأطفال يواجه تحديات كبيرة في مثل هذه الظروف. على سبيل المثال، تحدث تغييرات ملحوظة في نشاط اللوزة الدماغية (Amygdala)، المسؤولة عن معالجة الخوف والاستجابة العاطفية. نتيجة لذلك، قد يُظهر الأطفال استجابات مفرطة تجاه المواقف العادية، أو يميلون إلى الانطواء والانعزال.
تتأثر كذلك بنية الحُصين (Hippocampus)في الدماغ، التي تلعب دورًا حاسمًا في تكوين الذكريات والتعلم. الدراسات أظهرت أن الصدمات العاطفية الناتجة عن الحروب تؤدي إلى انكماش حجمه، مما يُضعف قدرة الأطفال على التذكر وتنظيم المعلومات. هذا الأمر يُضاعف من مشكلاتهم النفسية والسلوكية، ويجعل من الصعب عليهم استعادة اللحظات الإيجابية والتعامل مع التجارب السلبية.
تؤكد بو كروم أيضًا على تأثير القشرة الأمامية (PFC) من الدماغ، التي تُعنى باتخاذ القرارات وضبط الانفعالات. في هذه المرحلة الحرجة من تطور دماغ الطفل، تؤدي الصدمات الناتجة عن النزاعات إلى ضعف في التحكم العاطفي، مما يسبب صعوبات في التركيز وصنع القرارات، بالإضافة إلى سلوك متهور قد يعكس عدم الوعي بالعواقب.
الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، فالمادة البيضاء (White Matter) التي تضمن التواصل العصبي بين مختلف مناطق الدماغ، تتعرض أيضًا للتأثير السلبي. إذا حدث ضرر لهذه المادة، فإن التواصل العصبي يصبح مضطربًا، مما يُضعف الوظائف المعرفية ويزيد من صعوبة التفاعل مع المحيط.
تضيف بو كروم أن ارتفاع مستويات هرمون "الكورتيزول"، الذي يُفرز في حالات الخوف والضغط النفسي، يُدخل دماغ الطفل في حالة "الحفاظ على البقاء". في هذه الحالة، يجد الطفل نفسه في صراع دائم بين الفَرح والخوف، مما يزيد من معاناته من القلق والاكتئاب والسلوك العدواني.
كل هذه التغيرات تؤدي إلى تقلبات مزاجية كبيرة وصعوبات في إدارة المشاعر، مما يُحدث نوبات عاطفية تعيقهم عن التواصل الفعّال مع الآخرين. يصبح الطفل أكثر حذرًا ويواجه تحديات في بناء علاقات ثقة مع المحيطين به. قد يظهر على بعض الأطفال انسحاب اجتماعي أو سلوك عدواني، كما يعاني البعض من تراجع في التطور المعرفي واضطراب ما بعد الصدمة، مما يجعلهم يعيشون ذكرياتهم المؤلمة وكأنها تحدث في الوقت الراهن.

في ظل هذه التحديات الكبيرة التي يواجهها الأطفال اليوم، يصبح توفير دعم نفسي فعّال أمرًا بالغ الأهمية. يساعد هذا الدعم الأطفال على التكيف مع واقعهم الأليم، واستعادة ثقتهم بأنفسهم وبالآخرين. هنا يأتي دور الأهل، الذين يجب أن يكونوا حاضرين نفسيًا وعاطفيًا، ويستمعوا لأبنائهم بعناية.
تؤكد بو كروم على ضرورة عدم تجاهل ما يمر به الأطفال، بل يجب أن يكون الآباء مستعدين دائمًا للاستماع لهم وتشجيعهم على طرح الأسئلة. إليكم بعض الخطوات المهمة التي يمكن أن تسهم في دعمهم:
أولاً، التواصل بلغة بسيطة: يجب أن يتحدث الأهل مع أطفالهم بلغة واضحة تناسب أعمارهم، مع تقديم معلومات صادقة مبنية على الحقائق، دون الخوض في تفاصيل قد تزيد من قلقهم. يمكن التأكيد على أنهم في مكان آمن وأن هناك إجراءات لحمايتهم، مثلًا بإخبارهم أن العائلة مجتمعة في مكان آمن.
ثانياً، إعادة الروتين اليومي: في أوقات الأزمات، قد تساعد بعض العادات اليومية البسيطة مثل قراءة القصص في خلق شعور من الاستقرار النفسي. كما يُستحسن تشجيع الأطفال على التواصل مع أصدقائهم، سواء عبر مكالمات هاتفية أو اللعب مع الأطفال في المكان الذي يتواجدون فيه، لاستعادة شعور "الطبيعية".
ثالثاً، تقليل التعرض للإعلام: من المهم تقليل تعرض الأطفال لمشاهد العنف في وسائل الإعلام، إذ إن تلك الصور قد تظل محفورة في ذاكرتهم حتى لو لم يكونوا جزءًا من الحدث.
رابعاً، مراقبة السلوك: يجب على الأهل الانتباه إلى أي تغيرات في سلوك أطفالهم، سواء كانت جسدية أو نفسية، لتقديم الدعم اللازم في الوقت المناسب.
خامساً، الهدوء والانضباط: الأطفال يعكسون مشاعر الكبار من حولهم. إذا تصرف الأهل بهدوء، فإنهم يمنحون أطفالهم نموذجًا صحيًا للتعامل مع الضغوط.
وأخيرًا، الاستماع والتطمين: ينبغي على الأهل الاستماع الجيد لأطفالهم وتقديم الطمأنينة المستمرة، مؤكدين أن مشاعر الخوف والتوتر هي ردود فعل طبيعية. وتعزيز الأمل في المستقبل من خلال التأكيد على أن الأمور ستتحسن قريبًا.
لأن الأطفال يمتلكون مرونة عصبية طبيعية، فإن اتباع هذه الخطوات سيساعدهم على تخفيف تأثيرات الظروف الصعبة التي يعيشونها، ويمنحهم القوة للتغلب عليها.
تابع
Advertisement

أخبارنا عبر بريدك الالكتروني

إشترك

إليانا ساسين - Eliana Sassine