نشر موقع "الخنادق" المتخصص بالدراسات الإستراتيجيّة تقريراً جديداً كشف فيه أسراراً جديدة تتعلّق بالقيادي إبراهيم عقيل الذي اغتالته إسرائيل خلال شهر أيلول الماضي مع عدد من قادة قوة "الرضوان" التابعة للحزب، بغارة طالت الضاحية الجنوبية لبيروت.
ووفقاً للتقرير، فقد وُلد عقيل يوم 24 كانون الأول عام 1962 في منطقة كورنيش المزرعة - بيروت من أبوين متواضعين ينتميان إلى بلدة بدنايل التابعة لقضاء بعلبك في منطقة البقاع اللبنانية.
وترعرع عقيل في مكان ولادته ضمن بيئة متنوعة دينياً وثقافياً، وتلقى تعليمه الابتدائي حتى الصف الثاني متوسط في مدرسة راهبات "سن الفيل"، وعند اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية، انتقل الى متوسطة البسطة الرسمية للبنين وأكمل التعليم المتوسط فيها، منجزاً صفَي الثالث والرابع متوسط خلال عام دراسي واحد، وحاز على المرتبة الاولى.
أكمل عقيل تعليمه الثانوي في ثانوية بيروت العربية - زقاق البلاط، وكان له حضور لافت ومميز على المستوى الأخلاقي، يتلقى التنويهات والإشادات على حسن سلوكه وانضباطه واستقامته، كما حصل في العام 1982 على شهادة في برمجة الحواسيب الإلكترونية.
ويلفت التقرير إلى أن عقيل "كان محاوراً لامعاً منذ صغره، وحينما كان يافعاً، كان يخوض في نقاشات مُعمّقة تتناول المسائل الفلسفية المعقدة، أكان في مدرسته أو خارجها".
وتأثر إبراهيم عقيل بشكل كبير بالحركة السياسية والدينية التي أسسها الإمام المغيّب السيد موسى الصدر، فكان من الجيل المؤسس للعمل الاسلامي في بيروت، وقد بادر مع مجموعة من رفقائه إلى إنشاء حركة تهدف إلى تغيير الحالة الثقافية والسياسية والدينية الى واقع أفضل. ولهذا، كان عقيل عضواً مؤسساً وأساسياً في حركة الجهاد الاسلامي أوائل الثمانينات، قبل انضمامه الى حركة المحرومين؛ وقبل تأسيس حزب الله. وخلال التصدي للاجتياح الإسرائيلي لبيروت عام 1982، قاد عقيل عمليات بطولية في الصفوف الأمامية المواجِهة.
في العام 1983، وضعته الادارة الاميركية على لائحة المطلوبين لمكتب التحقيق الفدرالي بتهمة الضلوع في تفجيري؛ السفارة الأميركية، ومقر المشاة البحرية الأميركية في بيروت.
إثر ذلك، أصدرت المنظمة الدولية للشرطة الجنائية (الانتربول)، عدة إشعارات حمراء تدعو إلى اعتقاله، لتحميله مسؤولية المشاركة في التخطيط والتنفيذ لسلسلة من التفجيرات التي حصلت في باريس بين عامي 1985 1986، وايضا لإدانته في قضية اختطاف رهائن متعددة الجنسيات في بيروت.
وتميز ابراهيم عقيل بتفوقه في التخطيط العسكري والاستراتيجي وحسّه الأمني، فكان من أبرز القادة العسكريين في حزب الله منذ تأسيسه. في العشرين من عمره، شارك بالقيادة، منطلقاً من قدراته الذاتية الاستثنائية، وإبداعاته المبتكرة وجامعاً بين الجانبين العسكري والروحي في توجيهاته وممارساته العملياتية. وفي مطلع التسعينات، تولى مسؤولية التدريب المركزي في حزب الله، وأرسى قواعد خلّاقة في إعداد وتطوير القدرات البشرية في تشكيلات المقاتلين.
وتسلم عقيل مسؤولية الأركان في حزب الله في منتصف التسعينات، وابتداءً من العام 1997، صار مسؤولاً عن وحدة عمليات جبل عامل، وقاد ميدانياً وبشكلٍ مباشر العديد من العمليات النوعية.
كيف نجا عقيل من الاغتيالات؟
تعرض ابراهيم عقيل لعدد من محاولات اغتيال نجا منها، وجابه في بعض المراحل إصابات بليغة.
في الرابع من شباط من العام 2000، أي قبل تحرير جنوب لبنان بأشهر قليلة، حاول العدو الاسرائيلي اغتيال عقيل بإطلاق صواريخ أيه جي إم-114 هيلفاير عبر مروحيات أباتشي AH-64 على سيارته التي كان يقودها في جنوب لبنان، لكنه تمكن من القفز منها، وبذلك فشلت عملية الاغتيال رغم استهدافه بصاروخ آخر بعد قفزه.
وإثر اغتياله خلال أيلول الماضي، صرَّح رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية، بأن عقيل قد نجا من عملية اغتيال أخرى، ولكنه لم يذكر تفاصيلها.
خلال حرب تموز 2006، كان عقيل من القادة الذين تولوا مهام التصدي للعدوان الاسرائيلي على عدة أصعدة. الى جانب ذلك، كان عقيل عضواً في المجلس الجهادي لحزب الله، وابتداءً من العام 2008، شغل موقع معاون الأمين العام -السيد حسن نصر الله- لشؤون العمليّات.
أسس عقيل ركن العمليّات في المقاومة الإسلاميّة، كما وأسس أيضا قوة الرضوان، وتولى قيادتها، وهي القوة النخبوية التي تتميز بتدريبها العالي في المهارات القتالية، وقد طوَّرها بشكل مباشر، لتصبح قوة متميزة في صفوف المقاومة.
ويقول التقرير إنه "من المسائل التي لا بد من التطرق لها، هي أن عقيل منذ تأسيسه لوحدة الرضوان، عزم على تحرير الجليل في شمال فلسطين المحتلة، ووضع الركائز الأساسية لخطة السيطرة عليها"، وأضاف: "كانت قضية اقتحام الجليل تنعكس في عمله ضمن المسار القتالي لقوة الرضوان، محدداً الخطط العسكرية، ومعداً للسيناريوهات المحتملة".
وخلال الحرب السورية التي اندلعت عام 2011، أدى عقيل دوراً حيوياً في مواجهة التنظيمات الإرهابية، فكان من القادة الذين تولوا إدارة العمليات ضد تلك الجماعات في كافة المناطق السورية، لا سيما في منطقتي القصير والقلمون.
ماذا قال عقيل لنصرالله بعد بدء حرب غزة؟
بعد إطلاق المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة عملية طوفان الاقصى على مستوطنات غلاف غزة في السابع من تشرين الأول 2023، انخرط حزب الله في المعركة تحت عنوان اسناد غزة.
وفي هذا السياق، نُقل عن أحد قادة "حزب الله"، بانه بعد بدء المجازر في غزة، كان عقيل في اجتماع يضم الأمين العام الشهيد السيد حسن نصر الله إلى جانب عدد من القادة الآخرين، وخلال هذه الجلسة وجّه نصرالله سؤالاً حول مدى جهوزية الحزب للدخول في اسناد غزة، فما كان من عقيل إلا أن أعلن أمام نصرالله عن استعداد الحزب وجهوزيته، وبأن عناصر قوة الرضوان حاضرون للانخراط في مواجهات الجبهة.
التقرير يلفت أيضاً إلى أن عقيل كان على علاقة وطيدة جداً بنصرالله، مشيراً إلى أن عقيل تزوج في سن التاسعة عشر من عمره، ولم يكن لديه الكثير من الوقت ليقضيه مع عائلته بسبب كثرة انشغالاته. ومتى اجتمع بها، كانت متابعاته على الهاتف تستحوذ على معظم وقته. ومع ذلك، فقد كان الوقت الخاص الذي يمنحه لعائلته وقتا ثميناً جداً، ومليئاً بالحب، والحنان، والتوجيه.
وهنا، يقول التقرير: "في الأوقات التي كان يتواجد فيها في الضاحية الجنوبية لمدينة بيروت، كان عقيل يكّرس نفسه لجلسة أسبوعية في موعد محدد مع بناته، تحت عنوان الدرس الاسبوعي، ليقدم فيها لهن دروسًا تعالج مسائل ثقافية ودينية وفلسفية وعرفانية وغيرها من مسائل تتناول: الانسان، الرحمة المطلقة، السير والسلوك، علل الاشياء، مسار العقل البشري التطوري، الارضية الابستمولوجية لكل عصر، أحدث النظريات العلمية الفيزيائية، القدرات والقابليات المختزنة داخل كل انسان، الحقيقة الانسانية المطلقة، تشكُّل الأنا، شرح لآيات قرآنية بالإضافة إلى أمور آخرى".
وتابع: "انقطع الشهيد بعدها عن تلك الجلسات بسبب انشغاله في جبهة اسناد قطاع غزة. وقد عبَّر في أكثر من مورد، بان الوقت الذي يقضيه مع بناته في تلك الجلسات لا يقدّر بثمن، فعلاقته بكل ابنة منهن، لم تقتصر على الأبوة، بل بلغت حد الصداقة والأخوة". (الخنادق)