فاجأ "حزب الله" الكثيرين بإعلانه صباح الثلاثاء، توافق شورى الحزب على انتخاب الشيخ نعيم قاسم أمينًا عامًا جديدًا للحزب خلفًا للأمين العام السابق السيد حسن نصر الله الذي اغتالته إسرائيل الشهر الماضي، معاهدًا روح الشهيد الأسمى والأغلى، والشعب الصامد والصابر والوفيّ، على "العمل معًا لتحقيق مبادئ حزب الله وأهداف مسيرته، وإبقاء شعلة المقاومة وضَّاءة ورايتها مرفوعة حتى تحقيق الانتصار"، وفق نصّ البيان الذي أصدره.
وجاء الإعلان عن انتخاب الشيخ قاسم، الذي كان نائب الأمين العام لأكثر من ثلاثة عقود، ومنذ ما قبل تسلّم السيد حسن نصر الله للأمانة العامة في العام 1992، خلفًا للسيد عباس الموسوي، بعد أيام من إعلان الحزب عن استشهاد رئيس مجلسه التنفيذي السيد هاشم صفيّ الدين الذي كان مصنَّفًا على أنّه "الرجل الثاني" في الحزب، وأنّه "الخليفة الطبيعي" للسيد نصر الله، وقد أعِدّ وجُهّز لهذه المهمّة، على مرّ السنوات الأخيرة.
ولعلّ الإعلان عن تسمية الشيخ قاسم أمينًا عامًا للحزب حمل "مفاجأة مزدوجة" بدءًا من الاسم الذي لم يكن مصنَّفًا بين "المرشحين المحتملين" للأمانة العامة في حياة السيد نصر الله، ولو بدأ اسمه يتداول في الأيام الأخيرة، وصولاً إلى التوقيت، في ظلّ انطباع ساد أخيرًا بأنّ الحزب لن يكشف هوية أمينه العام الجديد قبل وقف إطلاق النار، لأنّ ذلك سيحوّله تلقائيًا، أيًا كان، إلى "هدف مباشر" للاغتيال، فما الذي يعنيه فعليًا هذا الإعلان؟!
رسائل "حزب الله" في الشكل
ليس خافيًا على أحد أنّ "حزب الله" أراد أن يوجّه أكثر من رسالة للقاصي والداني من خلال إعلانه انتخاب أمين عام جديد، أولاً في الشكل وبمعزل عن هوية هذا الأمين العام، استكمالاً للرسائل التي كان قد بدأ بتوجيهها منذ اغتيال السيد حسن نصر الله، والتي تولّى للمفارقة الشيخ نعيم قاسم نفسه جزءًا أساسيًا في عملية إطلاقها، من خلال الإطلالات الثلاث التي خرج بها إلى الرأي العام، والتي تدرّجت صعودًا من حيث الأهمية والمستوى.
بهذا المعنى، فإنّ الرسالة الأهمّ من هذا الإعلان، هي رسالة رفع معنويات وطمأنة للجمهور، بأنّ "حزب الله" تجاوز "صدمة" اغتيال أمينه العام، كما سائر الاغتيالات لكبار القادة في صفوفه، واستطاع أن يملأ "الشاغر" في الأمانة العامة، كما ملأ باقي الشواغر وفق ما أعلن مرارًا وتكرارًا، وبالتالي فإنّه استعاد هيكليته التنظيمية بالكامل، وكرّس نمط "وحدة القيادة" الذي لطالما عرف به الحزب، بعيدًا عن مبدأ "القيادة الجماعية" الذي اعتُمِد استثنائيًا.
في الشكل أيضًا، فإنّ أهمية الإعلان تكمن بالحديث عن "انتخاب" حصل للأمين العام، عملاً بالآلية المعتمدة لانتخاب الأمين العام لـ"حزب الله"، وهنا رسالة أخرى أراد الحزب توجيهها لمن يهمّه الأمر، مفادها أنه استطاع أن "ينتخب" أمينًا عامًا جديدًا، ولو بالتوافق، رغم كلّ الظروف، علمًا أنّ مثل هذا الانتخاب يتطلّب اجتماعًا لمجلس الشورى وتنسيقًا بين أعضائه، وهو ما أراد الحزب أن يقول إنّه حصل، من دون أن تخترقه إسرائيل، كما فعلت مع اجتماعات أخرى.
لماذا اختيار الشيخ قاسم؟
إلى هذه الأهداف من حيث الشكل، لا شكّ أنّ اختيار "حزب الله" الشيخ قاسم تحديدًا للأمانة العامة له أيضًا معانيه ودلالاته، بمعزل عن رأي خصوم الحزب القائل بأنّ قيادة الحزب اضطرت إلى اختياره، لغياب البدائل، خصوصًا أنّ الحزب يتمسّك بأن يكون أمينه العام من رجال الدين، لا من المدنيّين، وهو ما "حصر" الخيارات، خصوصًا بعد اغتيال السيد صفي الدين، علمًا أنّ الاسم الوحيد الذي تمّ تداوله بجدية إلى جانب قاسم، كان السيد إبراهيم أمين السيد.
إلى ذلك، فإنّ "سيرة" الشيخ قاسم الطويلة في صفوف "حزب الله" لعبت دورًا أساسيًا في اختياره، وهو الذي كان قريبًا من السيد الشهيد حسن نصر الله، بعدما كان نائبًا له طيلة فترة ولايته، فضلاً عن أنّه كان القيادي الأول في الحزب الذي تحمّل "ثقل" الإطلالة أمام الرأي العام بعد اغتياله، ومحاولة طمأنة الجمهور بأنّ الضربة القاسية لم تُنهِ الحزب، وأنّ الأخير ثابت على المبادئ التي أرساها أمينه العام السابق، والخبرات التي راكمها على مرّ السنين.
ولعلّ "نجاة" الشيخ نعيم قاسم من مخططات الاغتيال الإسرائيلية حتى الآن أسهمت أيضًا في الخيار، علمًا أنّه وُضِع "هدفًا صريحًا" في الآونة الأخيرة، خصوصًا بعدما تسلّم زمام الخطابة بعد استشهاد السيد نصر الله، في حين أنّه لم يكن يحظى بالمكانة السابقة في نظر الإسرائيلي، بدليل أنّه أطلّ في تشييع قائد "قوة الرضوان" إبراهيم عقيل في العلن، في الضاحية الجنوبية لبيروت، من دون أن يفكّر الجانب الإسرائيلي باستهدافه حينها.
قد يكون الاستنفار الإسرائيلي بعد إعلان "حزب الله" انتخاب الشيخ نعيم قاسم أمينًا عامًا له، عبر المسارعة إلى تهديده ضمنًا بالاغتيال، واعتبار تسميته "مؤقتة"، دليلاً على أنّ الحزب حقّق شيئًا ممّا أراد من الخطوة، وهو تسجيل نقطة في الحرب النفسية المستمرّة بين الجانبين، لتبقى علامات الاستفهام مشرّعة حول مرحلة ما بعد تسمية الشيخ قاسم، الأقرب إلى السياسة من العسكر، كما يقول كثيرون، فهل لذلك أيّ دلالات يجب الوقوف عندها؟!