منذ بدء حركة النزوح من الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية باتّجاه بيروت ومناطق المتن وكسروان وجبيل والشمال وعاليه والشوف، تزايد الحديث عن خطر وقوع حربٍ أهليّة بين الطائفة الشيعيّة الممثلة بحركة "امل" و"حزب الله" مع المسيحيين، وخصوصاً وأنّ العديد منهم يعتبرون أنّ "الحزب" هو من أقحم لبنان في حربٍ غير معنيّ بها، وجرّ العدوّ الإسرائيليّ إلى تدمير البلاد وقتل المواطنين المدنيين.
وما زاد من تلك المخاوف هو عمل إسرائيل بالفعل على إشعال فتنة بين الشيعة والمسيحيين، فعمدت إلى استهداف بلدة أيطو، واغتالت رجلاً مع زوجته زُعِمَ في الإعلام الإسرائيليّ أنّه من "حزب الله" على أوتوستراد ساحل علما. كذلك، تحرّكت القوّى الأمنيّة على الفور بعد ادّعاء رواد مواقع التواصل في تل أبيب أنّ هناك جمعيّة مشبوهة مرتبطة بـ"الحزب" في منطقة حرش تابت في سن الفيل، إضافة إلى البلبلة التي رافقت إستقبال نازحين في بكفيا، وُمحاولة العدوّ إستغلال حسن الضيافة المسيحيّة لمواطنين شيعة وغيرهم في المتن لزيادة التوتّر.
ولا يُخفى أيضاً أنّ المُخطّط الإسرائيليّ بتدمير منازل المواطنين الشيعة في الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبيّة الهدف منه تهجير الموالين لـ"حزب الله" و"أمل" ودفعهم إلى النزوح إمّا خارج لبنان، وهنا الحديث عن ترحيلهم إلى سوريا والعراق كمُقدّمة لتجنيسهم، وإمّا نقلهم إلى المناطق المسيحيّة والدرزيّة المعارضة للحرب كيّ يحصل تصادم مسلّح بين اللبنانيين.
كما أنّ الخشية من وقوع صدامات مسلّحة واردة جدّاً مع وجود أقلّه قطعة سلاح فرديّ في منزل كلّ لبنانيّ، فتشهد البلاد بشكل شبه يوميّ إشتباكات مسلّحة أو إطلاق نار في دلالة على أنّ السلاح منتشر في البيوت اللبنانيّة وفي مختلف البلدات والمناطق.
غير أنّه حتّى اللحظة أبدى جميع اللبنانيين من دون إستثناء ترحيباً بالنازحين، أكانوا شيعة أم مسيحيين، واختارت قيادات سياسيّة مُناهضة لـ"حزب الله" وضع الملفات الخلافيّة معه جانياً، والإنكباب على مُساعدة الأهالي الذين نزحوا من مناطقهم بسبب الحرب. وقد رحّب "الحزب" بهذا الإحتضان الوطنيّ لبيئته الشيعيّة، كما شدّدت شخصيّات سياسيّة مسيحيّة على أهميّة التعاون في هذا الظرف الصعب، وعلى أنّه لا يجب إستغلال ما تمرّ به "المقاومة" من نكسات في الميدان وخصوصاً بعد اغتيال السيّد حسن نصرالله والسيّد هاشم صفي الدين، وعدم إعتبار هزيمة أحد الأطراف مكسبا سياسيّا.
ولعلّ ما حصل قبل حوالي 3 سنوات في الطيونة من إشتباكات مسلّحة خطيرة جدّاً، وعودة الهدوء بعدها إلى المنطقة، يدلّ على أنّ "حزب الله" الذي يمتلك السلاح هو أبرز طرفٍ مُعارض للفتنة الداخليّة وللحرب الأهليّة. وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى أنّ السيّد نصرالله كان حذر مراراً من الإقتتال في الشارع لأنّه لا يُشكّل خطراً فقط على السلم الأهلي والعيش المُشترك، وإنّما على "المقاومة".
إذاً، فإنّ "حزب الله" هو أبرز الرافضين للحرب الأهليّة، والظرف لا يسمح له بأنّ يكون على صدام مع اللبنانيين في الداخل، بالتوازي مع المعارك العنيفة مع العدوّ الإسرائيليّ في الجنوب، ورغبة تل أبيب في زيادة الخلافات بين طوائف الشعب اللبنانيّ لإضعاف "الحزب" أكثر.
في المقابل، فإنّ أزمة النزوح قد تتسبّب بعد انتهاء الحرب بوقوع بعض الإشتباكات أو المُناوشات في الشارع، لأنّ هناك رغبة بوضع موضوع السلاح غير الشرعيّ وتطبيق القرارات الدوليّة على طاولة النقاش بعد انتخاب رئيس الجمهوريّة، الأمر الذي ربما قد يُؤدّي إلى توتّرٍ محدود بين اللبنانيين، وخصوصاً في المناطق التي تستقبل النازحين، ويُعتبر سكانها من المعارضين لمبدأ ربط لبنان بإيران وبالمحاور وبإقحام البلاد في الحروب.