يقول مصدر مطلع على الموقف الأميركي ل "لبنان 24" أن الموقف الرسمي اللبناني بقبول الفصل بين لبنان وغزة بناء على مشروع الحل الذي طرحه الموفد الرئاسي الأميركي آموس هوكشتاين قبل بضعة أشهر "جاء متأخراً"، إذ عندما قال لبنان نعم لهذا الفصل، أعلن الإسرائيليون أنهم باتوا لا يقبلون بالقرار الدولي الرقم 1701 حلا للوضع في منطقة الجنوب وراحوا يتحدثون عن "حل ينهي حال الحرب" وليس وقفا لإطلاق النار أو الأعمال الحربية كما ينص القرار 1701 نفسه.
ويكشف المصدر نفسه ان إنهاء حال الحرب الذي تريده إسرائيل هو أشبه بما ورد من ترتيبات امنية في اتفاق 17 أيار 1983 الشهير وهي ترتيبات تنهي حال الحرب بين لبنان وإسرائيل من دون الدخول في تطبيع علاقات أو فتح سفارات أو حدود مفتوحة بينهما، ولكن ذلك الاتفاق سقط يومها نتيجة الوجود السوري في لبنان وفي ظل وجود الاتحاد السوفياتي الذي انهار في مطلع التسعينيات من القرن الماضي.
ويربط المصدر بين هذا الموقف الإسرائيلي وبين ما قاله المرشح الجمهوري دونالد ترامب في نداء الى الجاليات اللبنانية والعربية الناخبة في الانتخابات الأميركية لجهة الحديث عن "تحقيق السلام في لبنان"، اذ شدد على أهمية إنهاء النزاع في لبنان بشكل شامل. وتعهّد بإنهاء "المعاناة والدمار في لبنان". وأضاف: "يستحق أصدقاؤك وعائلتك في لبنان العيش في سلام ورخاء ووئام مع جيرانهم، وهذا لا يمكن أن يحدث إلا بالسلام والاستقرار في الشرق الأوسط". واضاف: "أتطلع إلى العمل مع المجتمع اللبناني الذي يعيش في الولايات المتحدة الأميركية لضمان سلامة شعب لبنان العظيم وامنه. صوتوا لترامب من أجل السلام!" ولم يذكر ترامب خططه بشأن "وقف الدمار في لبنان".
وفي رأي المصدر "أن حديث حزب الله عن حرب الوجود في موازاة حديث نتنياهو عن مثل هذه الحرب لم يعد قابلا للتسويق، فبعض الإفرقاء في لبنان يقولون بانهاء حال الحرب متماهين بطريقة غير مباشرة مع الموقف الإسرائيلي. ولذلك يمكن القول في هذه الحال أن تحقيق وقف اطلاق النار فقط لم يعد مطروحا على طاولة البحث في اطار المساعي الديبلوماسية الجارية لوقف العدوان الإسرائيلي على لبنان، وإنما المطروح هو إنهاء حال الحرب، وإذا لم يتم التوصل إلى حل على هذا الأساس فإن مصير لبنان سيكون الفوضى وسيكون شبيها بواقع سوريا على حد ما كتب الديبلوماسي الأميركي السابق ديفيد شينكر اخيراً.
لكن في المقابل كتب السفير الأميركي السابق في لبنان جيفري فيلتمان وستيفن سايمون مقالا في "فورين افيرز" جاء فيه ان الحل المقبول لوقف الحرب في لبنان هو العودة إلى مكان عليه الوضع من قواعد اشتباك قبل عملية 7 تشرين الاول 2023 لكن التوصل إلى هذا الأمر مرتبط بحصول تفاهم بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران اللذين ستستمر المفاوضات غير المباشرة بينهما في حال فازت المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس بالرئاسة الأميركية حيث أن طهران لا تخفي رغبتها في فوزها لأنها إذا فازت فأنه سيكون على ادارتها أن تمارس ضغوطا على إسرائيل لاعادة الوضع إلى قواعد الاشتباك السابقة إلى كانت قائمة قبل طوفان الأقصى و"حرب الإسناد" والتي شنها حزب الله دعما لحركة حماس في قطاع غزة، في حين أنه إذا فاز ترامب وفي ظل القطيعة القائمة بينه وبين طهران فإن الوضع سيكون مختلفا لأن ترامب سيكون منحازا بشدة إلى الموقف الإسرائيلي وإلى جانب بنيامين نتنياهو في طروحاته ومشاريعه للمنطقة .
ولذلك يؤكد المصدر أن إيران لن ترد على الهجوم الإسرائيلي الأخير في هذه العجالة وقبل الانتخابات الرئاسية الأميركية وستنتظر نتائج هذه الامتحانات لكي تبني على الشيء مقتضاه، علما أن كل همها كان طوال الأشهر العشرة الأخيرة كان عدم التصعيد وتجنب الدخول في حرب شاملة مع إسرائيل حماية منها لموقف هاريس الانتخابي حتى لا يأكل هذا التصعيد من رصيدها خصوصا وأن الجاليات العربية والإسلامية منقسمة في التأييد بينها وبين ترامب، إلى درجة أن هذا ان المصدر المطلع على الموقف الأميركي يقول إن أبناء الطائفة السنية في هذه الجاليات يميلون إلى ترامب فيما أبناء الطائفة الشيعية يميلون إلى هاريس. ولذلك ستكون الانتخابات الرئاسية الأميركية مفصلية بنتائجها هذه المرة بالنسبة الى مستقبل الوضع في لبنان والمنطقة، بحسب المصدر نفسه الذي يعتبر أن الموقف الحقيقي لحزب الله هو ما يعبر عن رئيس مجلس النواب نبيه بري، وليس ما يعبر عنه بعض المسؤولين في الحزب، خصوصا وأن بري فوض الحزب اليه اتخاذ الموقف الذي يراه في المفاوضات الجارية لوقف الحرب، فيما الموقف اللبناني مجمع على ضرورة وقف إطلاق النار وعلى تنفيذ القرار الدولي الرقم 1701 بكل مندرجاته، وانتخاب رئيس للجمهورية في وقت ما. لكن الملاحظ من مواقف الافرقاء السياسيين أن لا أحد منهم متحمس لانتخاب رئيس في هذه المرحلة إذ أن لكل منهم حساباته السياسية الخاصة في هذا الصدد، فلا فريق المعارضة الطامح للإتيان برئيس من كنفه يرى أن الظروف الراهنة تمكنه من ذلك، ولا الفريق الآخر ومن ضمنه الفريق الجنبلاطي يقبل بانتخاب رئيس تحت وطأة الحرب. ولذلك سيكون لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي اطول ولاية لرئيس حكومة في تاريخ لبنان، فيما سيتعاظم دور الرئيس نبيه بري اكثر فأكثر على مستوى التفاوض مع الموفدين الدوليين لوقف الحرب على لبنان علما أن الأميركيين يفضلون التعاون معه على التعاون مع رئيس للجمهورية يكون مشابها للرئيس السابق ميشال عون فهم يعتبرون أن تعاونهم مع بري منتج ويبنى عليه. وفي ضوء كل هذه المعطيات فإن الجميع يرون أن لا داعي للدخول في انتخاب رئيس جمهورية جديد في هذه المرحلة.
وينطلق المصدر من هذا الواقع إلى الحديث عن الفارق بين الموقفين الفرنسي والأميركي في التعاطي مع الوضع اللبناني فيقول "إن الفرنسيين ركزوا على العلاقة مع حزب الله على أساس أن إيران هي القوة الأساسية والمؤثرة فيما ركز الأميركيون في المقابل على العلاقة مع بري، ولكن بعد كل ما حصل تبين للأميركيين أن الموقف الإيراني قد ضعف، فيما علاقتهم مع بري بقيت قوية وكانه بات المتحدث القوي في شؤون لبنان بتفويض الحزب ودعمه، في الوقت الذي اكتشف الفرنسيون أن رهانهم على العلاقة مع حزب الله لم يكن موفقا مثل رهانهم على الرئيس ميشال عون سابقاً. ويضيف المصدر في هذا السياق ان الأميركيين راهنوا على الزعامة والقوة واكتشفوا ان هذا الرهان مجد ونتائجه جدية ومقبولة حتى الآن. فيما الفرنسيون لم تنفعهم المبادرات التي كانوا طرحوها لايجاد حل للازمة السياسية اللبنانية الداخلية ولوقف الحرب الاسرائيلية على لبنان محاولين اظهار أن لموقفهم أهمية وتأثيرا في ضوء العلاقة الوثيقة بينهم وبين حزب الله".
يبقى، حسب المصدر، أن الوضع باق على تدهوره على ما هو في انتظار نتائج الانتخابات الأميركية يوم "الثلثاء الكبير" غدا والتي على ضوئها ستحدد اتجاهات الريح بالنسبة إلى لبنان والمنطقة في قابل الأيام وألاسابيع والأشهر المقبلة..