"لست خائفاً من القذيفة".. هذا ما قاله المزارع اللبناني أسعد التقي بينما يقف تحت أزيز الطائرات الحربية الإسرائيلية، ليجمع حبوب الزيتون مع مجموعة من العمال في إحدى قرى جنوب لبنان، متحدّين الخطر المحدق بهم بسبب التصعيد المتواصل بين حزب الله واسرائيل.
منعت المعارك والقصف الإسرائيلي الكثير من السكان من العودة إلى قرى أخرى في جنوب لبنان تعرّضت لدمار كبير، فالكثير من البلدات هجرها أهلها ولم يعد لأراضيها من يحصدها.
لكن أسعد وحسنا حمّاد أيضا هما من قلّة محظوظين في الجنوب تمكّنوا من قطف موسم الزيتون هذا العام، فالقرية ذات الغالبية المسيحية والدرزية بمنأى حتى الآن عن نيران الحرب بشكل مباشر، على الرغم من تكثيف إسرائيل لقصف مناطق واسعة في جنوب لبنان وشرقه منذ 23 أيلول، وبدئها عملية برية في 30 منه.
ويقدّر البنك الدولي دمار "نسبة 12% من بساتين الزيتون" في المناطق المعرضة للقصف في جنوب البلاد وشرقه. لذلك، توقع البنك الدولي في تقرير نشر، الخميس، أن "يؤدي تعطيل حصاد الزيتون بسبب القصف والنزوح إلى خسائر تبلغ 58 مليون دولار أميركي". فماذا يقول مزارعو جنوب لبنان؟ وكيف تحدى بعضهم الحرب؟ وكم يبلغ حجم خسائرهم؟
أسعد: لست خائفا من القذيفة
يقول أسعد، 51 عاما، فيما وقف في ظلّ شجرة يجمع ثمارها: "نعمل هنا في منطقة الكفير القريبة من القصف، لكنني لست خائفا من القذيفة، إن وجودنا هنا تحدّ للقصف".
تظهر في الأفق سحابة دخان ناجمة عن قصف إحدى القرى الحدودية مع اسرائيل، لكن أسعد وزملاءه يواصلون القطاف بابتسامة في حقل الزيتون العائد لأحد سكّان قرية الكفير الواقعة في منطقة حاصبيا في جنوب لبنان وتبعد نحو 9 كيلومترات عن الجولان السوري المحتل.
ويؤكّد الرجل الذي لوّحت الشمس وجهه "سنبقى مستمرين"، فهو يرى أن "الزيتون أفضل ثمرة وشجرة سلام".
بعصا خشبية، يهزّ أسعد إلى جانب العمّال والعاملات الشجرة لتتساقط منها الحبوب على كيس من الخيش، مختلطة بأوراقها.
يتظلّل العمال بغصون الأشجار عند استراحة الغداء جالسين على الصخور الوعرة التي تتكوّن منها أرض هذه القرية المرتفعة نحو 900 متر عن سطح البحر وتقع على سفح جبل الشيخ عند مثلّث الحدود اللبنانية والسورية والجولان المحتل.
وتقول حسنا حمّاد (48 عاما) العاملة مع أسعد في قطاف الزيتون: "لا نشعر بالخوف، اعتدنا على الأمر، وصامدون بل نخاف على أخوتنا المتضررين من الحرب"، مضيفة أن هذا العمل "يشكّل مصدر رزق لنا" رغم التحديات.
مصدر رزق رغم خطر القصف
في الكفير، تتوزّع أشجار الزيتون في كلّ مكان حتى الأفق، إذ يظهر جبل الشيخ الذي لم يغطّ الثلج قممه بعد. وقرب كلّ حقل، سيارة أو سيارتان تؤشر بوجود العمّال أو أصحاب أرض يعملون على قطف الزيتون في هذا الموسم.
في نهاية يوم العمل الذي غالبا ما يتخلله خرق الطائرات الحربية الإسرائيلية لجدار الصوت، يرفع العمّال أكياس الزيتون على ظهورهم، ويحمّلونها على شاحنات استعدادا لنقلها من أجل تخزينها أو عصرها وتحويلها إلى زيت.
وبينما يحصد كثر محاصيلهم بأيديهم، يخاف آخرون أن يأتوا إلى القرية ما أثّر بشكل غير مباشر على عمل سليم كساب (50 عاما)، صاحب معصرة زيتون تقليدية في الكفير.
ويقول الرجل فيما وقف داخل المعصرة التي ورثها عن والده إن "العديد من الناس لم يأتوا بأنفسهم لحصد الزيتون" هذا العام "بل أحضروا عمالا ليقطفوا عنهم" من خارج القرية، "هؤلاء يعصرون الزيتون خارج القرية أيضا"، وفق كساب، ما أثّر سلبا على عمله.
ويضيف كساب الذي جاء إلى القرية وحيدا هذا الموسم من دون زوجته وأولاده خشية من مخاطر الحرب "هناك خوف من الحرب طبعا، ليس لدى الجميع الجرأة للقدوم إلى هنا".
وقبل الحرب، كان يصلّح كساب آلالات العصر في منطقة النبطية أو صيدا في جنوب لبنان، لكن الوصول إلى تلك المناطق بات مستحيلاً حالياً بسبب القصف، وينبغي البحث عن حلول في مناطق أخرى.
لذلك، يضيف كساب أنه "يحتاج إصلاح أي عطل 3 إلى 4 أيام بدلا من يوم واحد".
خسائر بـ124 مليون دولار
في جنوب لبنان وشرقه، تسببت الحرب بـ"حرق مساحات واسعة من الأراضي الزراعية" أو "بالتخلي عنها"، إلى جانب "فقدان المحاصيل بسبب نزوح المزارعين من الجنوب" نتيجة القصف الإسرائيلي، وفق تقرير البنك الدولي.
وبشكل عام، وخلال التصعيد المستمر منذ أكثر من عام، بلغت قيمة "الأضرار التي لحقت بقطاع الزراعة حتى تاريخ 27 أيلول 2024 نحو 124 مليون دولار"، بحسب البنك الدولي. لكن في الكفير تشكّل حقول الزيتون مصدر رزق لغالبية سكانها الذين يصفونها بالأشجار "المباركة".
وفي أحد أزقة القرية، باب صغير تفوح منه رائحة الزيتون الطازج، هنا تغسل إنعام أبو رزق، 77 عاما، وزوجها الثمار استعدادا لحفظها في قوارير تدوم طوال الشتاء حتى الموسم المقبل، أو تحويلها إلى زيت.
تقطف إنعام الزيتون في قريتها كل عام منذ عقود، وتنظّف المحاصيل وتوضبّها، ولم تشأ أن يكون هذا العام مختلفا. وهنا، تقول المرأة "نخاف طبعا، هناك صوت قصف، وصوت طائرات" لكننا "نحب شهر الزيتون كثيرا، نستفيد منه فنحن فلاحون وعملنا بالأرض". (بلينكس - blinx)