لا تقوم المونة الشتوية على الطعام والثياب فحسب، فمواد التدفئة تتصدر لائحة المونة التي تُحضّر عشية الشتاء والبرد.
وانصياعاً للشتاء، يستعد اللبنانيون بطرق مختلفة لإستقبال البرد. ويصادف الشتاء هذا العام، واللبنانيون يعيشون كل أنواع الفقر والقهر في البلد.
باتت وسائل التدفئة في لبنان للمقتدرين فقط، في ظلّ انقطاع الكهرباء وارتفاع أسعار المحروقات، ومع الغلاء الفاحش لأسعار المحروقات ومواد التدفئة بدأ اللبنانيون رحلة بحث عن وسائل ومواد تدفئة بديلة تتناسب أسعارها مع أوضاعهم المعيشية المتردية، لتصبح مادة "الحطب"، أكثر المواد رواجاً وطلباً عند اللبناني للحصول على الدفء بتكاليف أقل.
يشلّ غلاء أسعار المحروقات قدرة العديد من المواطنين اللبنانيين، على تحمّل فاتورة المازوت، ما دفع العديد منهم للعودة إلى استخدام مدفأة الحطب. إلا أن ارتفاع الأسعار لم يستثنِ الحطب أيضاً، فألزمت الأزمة الاقتصادية اللبنانيين، استبدال الحطب بإذكاء نار مدافئهم بما تيسّر من ملابس قديمة وأحذية، وكرتون، وما يستطيعون جمعه من أغصان الأشجار التي باتوا يقطعونها من أمام منازلهم.
فكيف ستكون "الشتوية" في ظل الازمة الغارق بها البلد، وما مدى قساوتها وانعكاساتها على المواطنين، لا سيما ان أبرز هذه الازمات مستلزمات التدفئة، والتي هي عنصر أساسي في المناطق ذات الشتاء الماطر والبرد القارس.
وفي حديث مع أحمد الحاج أحد تجار الحطب تبيّن أن "كمية الطلب مرتفعة هذا العام خاصة في المناطق الجبلية حيث الشتاء البارد والناس عاجزون عن تخزين المازوت والبنزين فلجأوا إلى الحطب كي يتمكنوا من تدفئة منازلهم”.
وقال الحاج أن "الظروف الاقتصادية قسّمت المواطنين الى ثلاث فئات: فئة استطاعت تأمين المحروقات، وفئة ذهبت باتجاه شراء الحطب، وفئة تحدّت الموت والبرد القارس ولجأت الى "مناقل الفحم" بسبب عدم قدرتها على شراء أي نوع من أنواع المحروقات".
وأشار الى أنه "برغم انخفاض أسعار المازوت واتجاه البعض لإستعماله، إلا أنّ ذلك لم يُزل "رونق" الحطب، فبعض الناس، يطلبون الحطب من أجل الإستمتاع بعملية وضعه في المدفأة، وهؤلاء أغلبهم من ميسوري الحال".
وأكد الحاج أن "المدفأة العاملة على الحطب باتت من أوفر وسائل التدفئة وتحدّ كثيراً من استخدام الغاز، إذ يمكن استعمال الحطب في الطبخ وتسخين مياه القهوة والشاي".
ووقال أن "أسعار الحطب تختلف إذا ما كان يابساً أم أخضر. إذا كان أخضرَ يكون سعره أرخص، ويتحمّل بذلك الشاري مسؤولية تيبيسه لأشهر، وغالباً مَن يشتري الحطب الأخضر هو مَن يرتكز بعمله على الحطب، ويموّنه كمونة الغذاء منذ الصيف"
وتابع بالقول أن أسعار طن الحطب تشهد ارتفاعا، وذلك بسبب نقص الأحراج المتاحة للقطع، وأكد أن سعر طن حطب السنديان ارتفع إلى 250 دولار، كما ازداد سعر طن حطب الصنوبر إلى 150 دولار، فيما ارتفع سعر طن حطب الليمون إلى 250 دولار.
وفي محال الإلكترونيات AL WALID، يتراوح سعر أجهزة التدفئة العاملة على الكهرباء بين 40 و200 دولار حسب حجمها. أمّا أجهزة التدفئة العاملة على الغاز، فيتراوح سعرها بين 77 و200 دولار. وأسعار "المدافئ" او "الصوب" تبدأ من الـ 80$ الى 600$ ،اما القساطل فسعرها يتروح بين الـ 8و15$ ،والإكسسوار الخاص بالصوب 10$.
ويقول موظف المحل "محمود" ان الاقبال على شراء "صوب" الحطب هذه السنة مضاعف عن السنة الماضية، لا بل يوجد تهافت من المواطنين بهذا الاتجاه، وحوالي الـ 90% منهم باتوا يشترون "صوب" الحطب، و10% يعتمدون على تلك التي تعمل على المازوت.
وأضاف "في السابق، كنّا نبيع مدافئ تعمل على الكهرباء أو المازوت أو الغاز، كون تأمين المواد ودفع فواتيرها كان متوفرا للمواطن، لكن الأمر اختلف وأصبح هناك طلب لبيع مدافئ تعمل على الحطب".
وأشار محمود أنّه رغم ارتفاع تكلفة الغاز والكهرباء، فإنّ مبيع أجهزة التدفئة العاملة على الكهرباء لم ينقطع، ولا يزال هناك طلب عليها. فمعظم مَن يلجأون إلى التدفئة بالحطب يسكنون خارج بيروت لكون منازلهم تتيح لهم استخدام الصوبيات. لذلك، فإنّه لا بدّ من التزود بأجهزة تدفئة على الغاز أو على الكهرباء.
وقال ان كلفة المحروقات، والتي هي مادة حياتية ضرورية بامتياز، باتت ثقيلة جدا على اصحاب المؤسسات والمصانع، وكل العوامل سترتد بشكل سلبي على سعر السلعة.
بشير، أب لأسرة من أربعة أولاد، يسكن في داريا، وجد في الحطب ملجأً أوفر،ويمكن الاستفادة منه لتسخين الطعام أو شوي أي من الأطعمة التي تؤكل في سهرات ليالي الشتاء الطويلة.
وقال بشير أن " الكثيرون هذه السنة ممن اعرفهم لجأوا الى بدائل عن "الصوبيا"، حيث لا قدرة لهم على شراء متطلبات التدفئة، كما ان كارثة الكوارث ليس فقط في اسعار المحروقات، بل تعداها ليصل الى "المدفأة" التي اضحى سعرها خياليا، والقديم يحتاج الى صيانة دورية وقساطل واكسسوار والى ما هنالك".
ولفت الى أن "منطقتنا معروفة بالصقيع والبرد القارس، من هنا اعتمادنا على الحطب لانه رفيق العائلة في التدفئة، ومعدل مصروفنا من مونة الحطب لا يقل عن 600 طن خلال فصل الشتاء، ونظرا لاوضاعنا الاقتصادية فقد جمعنا الحطب من البراري والاودية ومن تقليم أشجار الزيتون والأشجار المعمرة، لأننا غير قادرين على شرائه او شراء المازوت الغالي السعر".
وتعرب نسرين ابنة منطقة طريق الجديدة عن أسفها لما آلت اليه الأوضاع، فمع ارتفاع المازوت أصبح من الصعب جداً التدفئة بواسطته فبدأوا استبدال مدفأة المازوت بالحطب، متخوفين من ارتفاع سعر الحطب.
وقالت "نعتمد التدفئة في بيروت على الأغطية الصوفية والملابس السميكة في معظم الأحيان، وعندما يشتد البرد نلجأ إلى المدفأة على الحطب إذا توَفّرت المواد، أو تستبدل بها مدفأة الفحم".
وقالت، إن "تأمين مواد التدفئة للأسرة خلال فصل الشتاء والبرد القارس أمر مهم للغاية لتأمين الدفء للأطفال، ولكن يتعين على رب الأسرة تأمين المادة التي تتناسب حصراً مع دخله الشهري".
وأكدت أن "كل الحلول مقفلة، فما ينتظره اللبنانيون سيكون شتاءً طويلاً مأسوياً، والمواطن بات مجبرا لا مخيرا، إما الموت جوعا، وإما بردا أو يأسا، وما بين الاثنين المواطن هو الضحية".