كثيرة هي القطاعات التي تضررت بفعل العدوان الاسرائيلي على لبنان، الذي شهد تصعيدًا منذ السابع عشر من أيلول الماضي ولغاية ربع الساعة الأخير قبل سريان وقف اطلاق النار، فجر السابع والعشرين من تشرين الثاني 2024.
يأتي القطاع الصحي والاستشفائي في مقدمة القطاعات المتضررة، كونه مثّل طيلة الأشهر الماضية خطّ الدفاع الأمامي في مواجهة التبعات الأخطر للحرب في شقّها البشري. هذا القطاع وجد نفسه أمام تحدٍّ كبير في التعامل مع العدد الصادم من الجرحى، والذي تجاوز الخمسة عشرة ألف جريحٍ. ورغم الحروب التي عانى منها لبنان على مدى تاريخه، تعتبر حرب 2024 الأكثر إيلامًا على القطاع الصحي برمّته، لاسيّما أنّ العدو لم يتوان عن قصف المستشفيات بشكل مباشر، حيث تعرّضت أكثر من 40 مستشفى للاعتداء، ما أسفر عن عدد من الشهداء في صفوف الأطباء والممرضين، وتمّ إقفال أكثر من 100 مركز ومستوصف، بالإضافة إلى استهداف أكثر من 243 سيارة إسعاف بحسب وزير الصحة الدكتور فراس الأبيض.
هارون: نقص في السيولة والطواقم التمريضيّة
نقيب أصحاب المستشفيات الخاصة سليمان هارون فنّد واقع المستشفيات خلال أشهر الحرب، لافتًا في اتصال مع "لبنان 24" إلى أنّ المستشفيات عانت نقصًا في الكادر البشري وصعوبات ماديّة، خصوصًا المستشفيات الواقعة في النطاق الجغرافي للاستهدافات "حيث تعرّض جزء من هذه المستشفيات لأضرارٍ كبيرة بفعل الاستهدافات العسكريّة وبات خارج الخدمة بالكامل، بينما عمل الجزء الآخر بشكل جزئي، واستقبل الجرحى والحالات الطارئة فقط، ولكن ليس بسهولة نظرًا لصعوبة إيصال الأدوية والمستلزمات الطبيّة إلى هذه المستشفيات طيلة أشهر التصعيد، لتعذّر وصول الوكلاء والتجّار إلى مناطق الاستهدافات، كحال مستشفيات جبل عامل وحيرام اللبناني الإيطالي على سبيل المثال".
10% من المستفشيات في لبنان توقفت عن العمل كليًّا أو جزئيًّا خلال الأسابيع الأخيرة للحرب وفق ما أعلنت منظمة الصحة العالمية. المستشفيات التي خرجت عن الخدمة خلال العدوان توزّعت بين الجنوب والضاحية الجنوبيّة لبيروت والبقاع، في الجنوب أقفلت مستشفيات "مرجعيون الحكومي" و"ميس الجبل الحكومي" و"بنت جبيل الحكومي" و"صلاح غندور" في بنت جبيل. وفي الضاحية الجنوبيّة مستشفى بهمن خارج الخدمة، فيما عملت المستشفيات الأخرى في حدود ضيّقة واستقبلت مرضى الحالات الطارئة فقط بسبب التهديدات الإسرائيليّة، كالساحل والرسول الأعظم. في بعلبك مستشفى المرتضى خرجت عن الخدمة بشكل كامل، فيما عملت المستشفيات المتبقيّة في البقاع بشكل شبه طبيعي، وفق ما أكّد هارون "أمّا المستشفيات الواقعة خارج النطاق الجغرافي للاستهدافات العسكريّة في سائر الأقضية فتابعت عملها بشكل شبه طبيعي. ولكن هناك صعوبات واجهت المستشفيات الخاصّة بما فيها تلك البعيدة عن مناطق الاستهداف، أبرزها مادية جرّاء التأخير في دفع المستحقّات، حيث أنّ دوائر الدولة لم تعمل بشكل كامل بفعل ظروف الحرب، ما عطّل إنجاز آلية الدفع. وهناك صعوبات أخرى ارتبطت بالكادر البشري داخل المستشفيات، لاسيّما الطواقم التمريضيّة التي كانت تقطن في أماكن الاستهدافات، وتعذّر على أفرادها الالتحقاق بأماكن عملهم حيث نزحوا خلال الحرب إلى مناطق بعيدة، نتيجة لذلك عانت المستشفيات أثناء العدوان نقصًا كبيرًا في الممرضين".
نقص في بعض الجراحات
نقص الطواقم التمريضيّة لم ينسحب على الأطباء يؤكّد هارون "هناك جزء من الأطباء الذين غادروا لبنان في السنوات الأولى للأزمة عادوا مجدّدًا، والأطباء الذين كانوا يعملون في المستشفيات الواقعة في المناطق المتضررة باتوا يعملون اليوم في المستشفيات غير المتضررة. ولكن هناك نقض مزمن في بعض الاختصاصات كنا نعاني منه قبل الحرب ولا زلنا،كجراحة الأعصاب والشرايين والرأس وأطباء الطوارىء، وحاولنا قدر الإمكان تسيير الأمور".
الأولوية للجرحى
رغم الصعوبات التي تعاني منها المستشفيات، تمكّن القطاع الاستشفائي في لبنان من استيعاب تبعات الحرب، ومعالجة الآف الجرحى، ولم يتطلب الواقع الحربي المتفاقم الاستعانة بمستشفيات ميدانيّة، خصوصًا أنّ الأخيرة أثبتت فشلها أثناء جائحة كورونا، وفق نقيب أصحاب المستشفيات. ومنذ تكثيف العدوان الاسرائيلي أعطت المستشفيات الأولوية للجراحة والعمليات الطارئة التي لا تحتمل التأجيل، أمّا الحالات الباردة فاختلف التعامل معها بين المستشفيات وفق قدرة كلّ منها.
المساعدات للحالات الطارئة فقط
المساعدات الطبيّة التي وصلت للبنان عبر الجسر الجوي ساعدت القطاع الطبّي، وتم توزيعها على المستشفيات الحكوميّة والخاصّة "ولكن نوعية المساعدات اقتصرت على الحاجات التي تُستخدم في الطوارىء. وهناك أدوية مضادة للالتهابات تفيد المستشفيات، أمّا المستلزمات الطبيّة المرتفعة السعر كتلك التي تُستخدم في جراحة العظام وتمييل شرايين القلب فلا تتأمّن من ضمن المساعدات" يلفت هارون مؤكّدًا أنّ الجرحى تمت معالجتهم على نفقة وزارة الصحة بنسبة 100%، حتّى ولو كان لديهم نظام تأمين خاص، إذ أنّ التأمين لا يغطي في الغالب حالات الحروب.
بين 2006 و2024: القطاع من مقتدر إلى منهك
اختلف وضع المستشفيات اليوم عما كان عليه أبّان عدوان تموز 2006 "في حينه كانت المستشفيات على قدرة عالية على الصعيدين المالي والبشري، أما عدوان 2024 فأتى بعد أزمة ماليّة عانى منها القطاع الاستشفائي برمّته ولا زال، وبعد أزمة كورونا وما فرضته من أعباء كبيرة أنهكت القطاع، وبعد انفجار مرفأ بيروت وما خلّفه من ضحايا وأضرار طالت بعض المستشفيات".
كافحت المستشفيات طيلة فترة الحرب للاستمرار في تقديم الخدمات الصحيّة الأساسية في ظلّ تدفّق غير مسبوق من المصابين، بالتوازي مع نقص في الموظفين والموارد، في ظل استنفاد الإمدادات واستنزاف قوى العاملين الصحيين، وفق ما أكّدت منظّمة الصحة العالميّة، ولم تكن المستشفيات قدرة على الصمود طويلًا فيما لو طال أمد الحرب وفق هارون "حيث أُنهك الجسم الطبي التمريضي، فضلًا عن الضائقة الماليّة".
تبعات تفجير البيجر
تفجيرات البيجرز بدورها، شكّلت عبئًا لا يستهان به"نظرًا للعدد الهائل من الجرحى الذي وصل إلى المستشفيات في الوقت نفسه بين نصف ساعة إلى ساعة، ما فرض استهلاك مستلزمات طبيّة وأدويةكبيرة، وكان هناك جروح توزّعت بين العيون والأطراف والبطن والورك، والجريح الواحد مصاب بأكثر من جزء من جسده، ولا زالت تداعيات هذه التفجيرات موجودة، حيث لا زال هناك عدد من الجرحى يتابع علاجه في الجراحات الترميميّة في الأطراف والوجه".
القطاع الاستشفائي بشقيّه الرسمي والخاص واجه عدوان أيلول بشجاعة وكفاءة عاليتين، عالج العدد الهائل من المصابين، وقدّم شهداء وجرحى من أطباء وممرضين ومسعفين طالتهم جرائم العدو خلال أداء واجبهم الإنساني، لكن الوضع الصحي المتماسك نوعًا ما اقترب من فقدان السيطرة في الأيام التي سبقت الهدنة، حيث أضعفت الهجمات على مرافق الرعاية الصحية النُظُم الصحية وأعاقت قدرتها على الاستمرار في أداء دورها، وحالت دون حصول مجتمعات محليّة بأكملها على الخدمات الصحية في وقت هي في أمس الحاجة إليها، وفق منظمة الصحة العالميّة.