إثر خروجهم من لبنان بعد توقيع اتفاق الهدنة، وصل جنود الكتيبة المدرعة 8130 الإسرائيلية إلى قاعدتهم العسكرية في مرتفعات الجولان.
هناك، لم يكن الجنود بعيدين عن حدود لبنان، وقضوا أول يوم لهم بعد وقف إطلاق النار يستحمون مع أسلحتهم في بِركة ماء نبع ساخن طبيعية.
عدسة وكالة "أسوشيتد برس" التقطت لحظاتهم على هيئة صور، فيما وثق صحافي من القناة 12 الإسرائيلية قصصهم.
هؤلاء كانوا يشربون القهوة، لكن أجواء الاستجمام لم تدم طويلا، لأنهم تلقوا رسائل، منتصف اليوم التالي للهدنة في لبنان، تطالبهم بتجديد التزامهم بالتطوع كجنود احتياط في الجيش الإسرائيلي.
يقول الجنود للقناة "12" إنه كان عليهم اتخاذ قرار وصفوه بـ"المؤلم"؛ هل يواصلون تحمل القتال ويوقّعون، أم يتخلّون عنه ليعيدوا التوازن إلى حياتهم الشخصية؟
أغلبهم رفض تجديد التجنيد لأسباب متعدّدة، منها الاجتماعية أو السياسية، والحكومة الإسرائيلية تتعلق بـ"قشّة الغريق" لتنقذ الموقف.. فما أسباب رفض جنود الاحتياط العائدين من لبنان تجديد تجنيدهم؟ وكيف تتصرف الحكومة الإسرائيلية؟
"الحكومة لا تهتمّ بعائلاتنا".. الأسباب الاجتماعية
أوري هيرشفيلد، 45 عاما، كان يستجمّ في يومه الأول بعد العودة من جنوب لبنان، وفوجئ بالرسالة التي تطالبه بتجديد تجنيده في قوات الاحتياط، وقتها شعر بالارتباك كما قال للقناة "12"، ولم يعرف قراره، فهو كما وصف "ممزّق بين طرفين"، وهما أسرته التي تتفكك، وجيشه الذي يُطالبه بالتجنيد.
يقول أوري إن حياته الشخصية والمهنية تتفكك، وهو لا يريد الحرب، يريد أن يربّي أولاده في منزله.
واتهم الجندي المستجم "مؤقتا" نتنياهو وحكومته بمواصلة حرب لا فائدة منها.
وتتصاعد مشكلة التجنيد في إسرائيل بعد مرور أكثر من 14 شهرا على الحرب المستمرة في قطاع غزة، فبحسب المجلة الإسرائيلية +972 فإن المشكلة لم تعد بين جنود الاحتياط والحريديم فقط، بل انتقلت لإسرائيليين مطالبين بالتجنيد الإجباري، يرفض بعضهم الانضمام للجيش، ونسبة هؤلاء تزداد كل يوم في إسرائيل، بحسب المجلة.
جندي آخر كان يستجم مع أوري، اسمه رامي كاشي، ويبلغ من العمر 52 عاما. فعليا، قضى رامي أكثر من 220 يوما في الخدمة منذ أول الحرب، ويقول إن عائلته دائما في حالة تأهب، لا تعرف مصيره على جبهة القتال، وفي الوقت نفسه، لا تهتم الحكومة لأمرهم بالشكل الكافي.
صحافي القناة "12"، الذي قابل الجنود، يصفهم بأنهم "فقدوا السيطرة على حياتهم، مع تزايد الضغوط النفسية عليهم وعلى أسرهم".
"لسنا أولويّة بنظر الحكومة".. الأسباب السياسية
يقول تقرير القناة إن إسرائيل أمام أزمة أوسع في نظام الاحتياط لديها، ومع تراجع نسبة الالتزام وتزايُد الأعباء، يشعُر الجنود بأنّهم تُركوا وحدهم.
ويقول ران سالومون، الذي خدم في الكتيبة ذاتها مع رامي وآدي وأوري: "عندما يُفصَل وزير الدفاع في وقت حرب، ماذا يعني ذلك لنا كجنود؟ إذا كانوا لا يحتاجون إليه، فهل يحتاجون إلينا؟".
ما يرفضه هؤلاء الجنود أكثر هو القادم، إذ قرّرت الحكومة الإسرائيلية تمديد قانون، يسمح باستدعاء جنود الاحتياط للخدمة حتى مارس 2025، وهو قرار أثار جدلاً واسعاً في إسرائيل.
القرار يشمل نحو 320 ألف جندي احتياط، ممّن قد يخدمون لفترات طويلة، ويشتكون مِن التأثير السلبي للتجنيد الاحتياطي في حياتهم الشّخصية والمهنيّة، بحسب تقرير لصحيفة "إسرائيل هيوم".
وفقاً لتقرير في هيئة البث الإسرائيلية، فإن تمديد الأمر جاء نتيجة نقصٍ في أعداد الجنود والمقاتلين الفاعلين، وسط دعوات إلى إنشاء فرق خفيفة، تضم متطوعين ومتقاعدين، بما في ذلك "الحريديم".
هذه الدعوات من المستوى السياسي، جاءت بعد الاستطلاعات الأخيرة في إسرائيل التي كشفت عن فقدان 58% من جنود الاحتياط الثقة بالقيادة العسكرية الإسرائيلية، ممّا يعكس حالة إحباط وعدم رضا عن إدارة الأزمة.
إسرائيل "تُراضي" الحريديم
لواء جديد أعلنت إسرائيل عن تشكيله اسمه "هاشمونايم"، مصمّم خصيصا لاستيعاب المجندين من المجتمع الحريدي. هذا اللواء سيُطلَق خلال عيد الحانوكا، الذي يبدأ ليلة 24 كانون الأول المقبل، ويُعد خطوة رمزية لاستقطاب المتدينين المتشددين الذين كانت مشاركتهم في الجيش محدودةً سابقا، بسبب تحفّظات دينية وثقافية، بحسب يديعوت أحرونوت.
ولتجنّب الخلط بين المجندين الحريديين وأفراد الوحدات الأخرى، سيكون أفراد هذا اللواء وحدهم في التدريب، ليحافظوا على تقاليدهم الدينية. ولأن الحريديم رفضوا أوامر التجنيد الإجبارية، لجأ المستوى السياسي في إسرائيل إلى الحوار مع قادة المدارس الدينية وحاخامات المجتمع الحريدي، لإقناعهم بالانضمام إلى هذا اللواء.
وتأتي هذه الخطوات وسط استطلاعات رأي، تُبيِّن أن جنود الاحتياط لا يفضّلون مواصلة القتال، بنسبة كبيرة. وفي السّياق ذاته، بدأت أصوات هؤلاء الجنود تتصاعَد وتأخذ صدى في الشارع الإسرائيلي.