منذ اللحظة الأولى لدخول وقف إطلاق النار بين حزب الله وإسرائيل حيّز التنفيذ في 27 تشرين الثاني الماضي، لم تمضِ سوى فترة وجيزة حتى أقدمت إسرائيل على خرق الاتفاق باستهداف المدنيين العائدين إلى منازلهم وقراهم في جنوب لبنان.
ولم يقتصر الأمر على هذا الخرق، بل تجاوزه إلى إصدارها أوامر بمنع العودة إلى عشرات المناطق، حيث بلغ عدد البلدات المحظور الوصول إليها نحو 63 بلدة، في خطوة فسرت على أنها محاولة لفرض واقع جديد على الأرض وإبقاء آلاف العائلات في حالة نزوح قسري.
وعمدت إسرائيل إلى فرض حظر تجول صارم على من تبقى من سكان القرى والبلدات الواقعة جنوب نهر الليطاني، يبدأ من الساعة الخامسة مساء وحتى السابعة صباحا، دون تقديم أي مبررات واضحة لهذا الإجراء، لا سيما أن العديد من هذه القرى تقع شمالي النهر، مما يعني أنها خارج نطاق تطبيق القرار الدولي 1701، وهذا يثير تساؤلات عن دوافع هذا التصعيد.
ولم تتوقف الاعتداءات عند فرض القيود، إذ شن الاحتلال غارات حربية على عدد من المناطق أبرزها المنطقة الواقعة بين بلدتي البيسارية وتفاحتا في قضاء الزهراني، كما استهدف بمسيرة سيارة مواطنين في بلدة مركبا، تبعها إطلاق نار مباشر أسفر عن إصابة شخصين.
ولم يسلم الصحفيون أيضا من عدوان الاحتلال، حيث أطلقت قواته النار على مجموعة من الإعلاميين أثناء تغطيتهم في بلدة الخيام، مما أدى إلى إصابة 3 منهم بجروح.
وفي إطار مواصلة خروقات وقف إطلاق النار، شرع جيش الاحتلال الإسرائيلي بتجريف مساحات واسعة من الأراضي الزراعية في مدينة الخيام والقرى المحاذية للخط الأزرق.
بين العودة والنزوح
تأتي هذه الخطوة ضمن محاولة لتحويل تلك المناطق إلى منطقة عازلة مؤقتة، على الأقل خلال الفترة المحددة بـ60 يوما للانسحاب الكامل من الأراضي اللبنانية، وهو الانسحاب المشروط بانتشار الجيش اللبناني والقوات الأممية (اليونيفيل) بشكل كامل وبدء عمل لجنة المراقبة الدولية.
في المقابل، دعا الجيش اللبناني المواطنين إلى توخي الحذر والتريث في العودة إلى القرى والبلدات الأمامية التي شهدت توغلات قوات الاحتلال، وجاء هذا التحذير في إطار الحرص على سلامة المدنيين وتجنب المخاطر المحتملة قبل انسحاب القوات الإسرائيلية التام وفقا لما نص عليه اتفاق وقف إطلاق النار.
وفي بلدة الطيبة جنوب لبنان، وبعد أكثر من عام على مغادرته بسبب القصف المدمر، عاد المواطن حيدر سمعان مع عائلته إلى بلدته عقب وقف إطلاق النار ليواجه مشهدا صادما.
ويقول حيدر للجزيرة نت: "كنت من بين الذين فتحوا الطريق إلى البلدة بعد الحرب، ولكن فور وصولنا إلى منزلنا، اكتشفنا أنه أصبح غير صالح للسكن".
ويضيف: "المنطقة كانت مدمرة بالكامل، ولم نتمكن من التجول فيها طويلا بسبب حجم الدمار الهائل".
وبينما يعود إلى مركز الإيواء، يعبر حيدر عن حزنه العميق وفقدانه لماضيه، قائلاً: "كل شخص يتمنى العودة إلى بلده، لكن كل شيء ضاع لا يوجد شيء في البلدة".
ورغم قسوة الواقع يظل حيدر يحمل أملا ضئيلا في إمكانية إعادة بناء ما دمرته الحرب، مشيرا إلى أنه رغم صعوبة الأوضاع، "نأمل أن نتمكن من بناء حياة جديدة رغم التحديات التي نواجهها".
وتتشارك عائلة سمعان مع العديد من العائلات في الجنوب اللبناني ذات المصير القاسي، حيث لا تزال آثار الحرب تلتهم كل شيء، من البيوت إلى الذكريات.
واقع مرير
ويروي عباس رسلان، من بلدة العديسة، للجزيرة نت مأساة عائلته التي نزحت إلى منطقة حروف في 13 تشرين الأول، بعد 5 أيام من بدء العدوان، ويصف الهجوم الذي بدأ حينها بأنه "بداية الحرب الكبيرة"، وبعد فترة انتقل مع عائلته إلى بلدة المروانية حيث أقاموا في مركز الإيواء.
وقرر عباس العودة إلى قريته بعد سماعه عن وقف إطلاق النار، حيث خرج صباحا ووصل إلى أول العديسة من جهة مركبا، لكنه لم يتمكن من الوصول إلى البلدة بسبب إغلاق جميع المنافذ المؤدية إليها جراء الغارات التي استهدفت الطريق، مما خلف حفرا عميقة يصل عمقها إلى 4 أو 5 أمتار.
وبعد النزول من السيارة والتجول لبعض الوقت، شعر عباس مع من كان معه بأن الوضع أصبح غير آمن، خاصة مع تحليق الطائرات الإسرائيلية في المنطقة، مما دفعه إلى اتخاذ قرار سريع بالعودة.
انتظار العودة مجددا
وأوضح عباس أن الدمار في البلدة كان هائلا جدا، قائلا: "لا يمكن تصور حجم الأضرار، الوضع قد لا يعود إلى ما كان عليه في القريب العاجل، ربما يستغرق الأمر 4 أو 5 سنوات".
ورغم ذلك عبّر عن امتنانه وأمله في أن يعم السلام المنطقة قريبا، وأضاف: "الأرض ستظل ملكا لأهلها، وإذا دمرت كل البيوت، سننصب خيمة أمام البيت، وسنظل نعود إلى أرضنا وقرانا، هذه الأرض لنا، فيها بيوت أقدم من عمر الكيان بأسره".
من جهته، ذكر محمود رسلان أنه من قرية قريبة من الحدود مع فلسطين، حيث لا تفصل بين قريته والجدار سوى مسافة قصيرة، وأوضح أن بعض الأشخاص خرجوا من قريتهم لتفقد بيوتهم، وعندما وصلوا إلى الطيبة تعرضوا لإطلاق نار، مما جعلهم يشعرون بالخوف ويعودون أدراجهم، وأضاف أنهم يعلمون أن بيوتهم قد دمرت، لكنهم لا يعرفون حجم الدمار بشكل دقيق.
وأشار محمود إلى أنه لم يتمكن من الخروج بسبب قرار منع التنقل، موضحا: "إذا سمحت لنا الدولة بالخروج فإننا سنذهب، ولكن في الوقت الراهن نحن في مكاننا".
وقال محمود إنهم يقيمون في مركز إيواء "مونتانا" في المروانية منذ عام، ولا يزالون ينتظرون لمعرفة كيف ستتطور الأمور مع الأمل في أن يظل المركز مفتوحا حتى يتمكن الناس من العودة إلى بيوتهم. (الجزيرة نت)