بينما تقدّمت الفصائل المسلّحة بسرعة وأعلنت عن سيطرتها على مدينتي حلب وحماة، يبدو أنّ الرئيس السوريّ بشار الأسد بحاجة هذه المرّة أيضاً لحلفائه من روسيا وإيران و"حزب الله" لمُساعدته في المُحافظة على وحدة الأراضي السوريّة، وهزيمة المسلّحين قبل إستحواذهم على مدنٍ أخرى مثل حمص.
ويُواجه "حزب الله" تحديا جديدا يتمثّل بإمكانيّة خسارة مدنٍ إستراتيجيّة ومهمّة جدّاً له وللحكومة السوريّة، فهو يُريد أنّ يُحافظ على الطرقات التي يستعملها لنقل المُساعدات والأسلحة إلى لبنان، على الرغم من أنّ المرحلة الحاليّة بعد اتّفاق وقف إطلاق النار مع إسرائيل تُحتّم عليه التريّث وعدم إعطاء ذريعة للعدوّ لاستئناف الحرب على لبنان.
كذلك، فإنّ إسرائيل لا تزال تقصف مواقع في سوريا تزعم أنّها مستودعات أسلحة لـ"حزب الله"، كما لا تزال تستهدف شخصيّات مهمّة من صفوفه كان آخرها مسؤول التنسيق في "الحزب" مع الجيش السوريّ قبل يومين. فتل أبيب تُفرّق الآن بين اغتيال قيادات "المقاومة" في لبنان وبين مُراقبتهم وقتلهم داخل الأراضي السوريّة، وخصوصاً وأنّها تُواجه ضغوطات كثيرة من الولايات المتّحدة الأميركيّة وفرنسا كيّ لا تُفشل إتّفاق وقف إطلاق النار.
كما يجب التذكير أنّ دخول "حزب الله" إلى سوريا وإسناده الرئيس بشار الأسد في حربه على الإرهاب، أدّى إلى كشف أبرز قيادييه أمام إسرائيل، فتمّ اغتيالهم جميعاً في لبنان، في مفاجأة كبيرة دلّت على أنّ تل أبيب عملت لسنوات على جمع المعلومات عن عناصر "الحزب"، وصولاً إلى تفجير أجهزة "البيجر" واللاسلكيّ.
ورغم أنّ أمين عام "حزب الله" الشيخ نعيم قاسم أعلن أنّ "الحزب" سيكون إلى جانب سوريا و"سيُحبط مُخطّط الفصائل المسلّحة"، يقول محللون عسكريّون إنّ "المقاومة الإسلاميّة" لا تستطيع العمل في دمشق كما في السابق، وهي تُريد دراسة خياراتها قبل اتّخاذها أيّ قرار عسكريّ، لأنّ استهداف أيّ من رجالات الصفّ الأوّل فيها سيُحتّم عليها الردّ على إسرائيل، ما قد يُفشل هدنة الـ60 يوماً واتّفاق وقف إطلاق النار ويزيد من الضغوطات المحليّة والدوليّة عليها.
وبحسب محللين عسكريين، فإنّ "الحزب" لا ينوي الإنخراط حاليّاً في أيّ مُواجهة جديدة مع الجيش الإسرائيليّ، فهو يُعيد تنظيم نفسه من جهّة بهدوء، ولا يرغب من جهّة ثانيّة في أنّ يُعطي حجّة للعدوّ لشنّ حربٍ عليه، مع انشغاله بملف إعادة الإعمار في الجنوب والضاحية الجنوبية والبقاع، وعدم قدرة بيئته على تحمّل تبعات المعارك والنزوح، وخصوصاً وأنّ الحرب طالت سوريا الملاذ الآمن للنازحين الشيعة.
وحتّى الآن، تعمل روسيا على شنّ ضربات دقيقة ضدّ المجموعات المسلّحة في سوريا، وإذا تمكّنت موسكو من خلال الغارات الجويّة من ضرب قدرات "هيئة تحرير الشام" وحلفائها البشريّة والعسكريّة، وأعاد الجيش السوريّ سيطرته على مدينة حلب وحماة، فإنّ "حزب الله" لن يدخل الحرب.
في المقابل، يُشير المحللون العسكريّون إلى أنّ لا حلّ أمام إيران إذا استمرّ المسلّحون بالتقدّم والسيطرة على مدنٍ سوريّة أخرى، إلّا بالطلب من "حزب الله" التدخّل سريعاً، فطهران تعتبر الأسد حليفاً مهمّاً لها ولمحور المقاومة، وأيّ تبديل لهويّة سوريا يُشكّل ضربة كبيرة لإيران ولـ"الحزب" أيضاً. فالأمين العام الراحل حسن نصرالله أشار إلى أنّه من المهمّ إبعاد دمشق عن النزاعات والصراعات في المنطقة، لأنّها تلعب دوراً بارزاً في دعم "المقاومة" في لبنان.
ويقول المحللون إنّ دور "حزب الله" الآن يقتصر على مُشاركة الجيش السوريّ في الدفاع عن المدن التي يتواجد فيها عناصره، وهناك تعويل على دور الفصائل الشيعيّة المُواليّة لإيران، وخصوصاً تلك في العراق، وإذا ما كانت ستُساند الأسد في الحرب، لتخفيف الضغط عن "الحزب"، بعد انتهاء المعارك في لبنان مع الجيش الإسرائيليّ.
ويُذكّر المحللون العسكريّون أنّ بشاء الأسد رفض عرضاً غربيّاً بالإنفصال عن إيران، وهذا الأمر أدّى إلى اندلاع الحرب في سوريا، لتمسّك الرئيس السوريّ بدعم "محور المقاومة" حتّى لو لم يكن مُشاركاً مباشرة في أيّ مُواجهة مع إسرائيل.