لم تعد المساعي الاميركية لتأجيل الانتخابات الرئاسية في لبنان او عدم تشجيع الاطراف السياسية على الاستعجال لاتمامها امراً مستغربا، اذ ان التطورات الحاصلة والمستمرة والمتسارعة في سوريا ستكون مدخلا لإعادة تغيير التوازنات وبالتالي يصبح اسم الرئيس وفق التطورات الجديدة مختلفاً عنه في حال لم يحصل كل ما حصل..
لم يعد احد مستعجلا على المعركة الرئاسية علما ان طيفاً واسعاً من المعارضة يؤكد ان التصعيد السياسي يجب ان يكون سيد الموقف امام حجم الخسائر الذي تعرض لها الفريق الاخر، وعليه يجب ان يكون الرئيس يعكس التوازنات الجديدة خصوصا اذا استمرت الضربات التي يتلقاها الجيش السوري في المحافظات الاساسية مثل حماة وحمص القريبة من لبنان.
لا يبدو ان "حزب الله" مستعجل بدوره، لكن من منطلقات اخرى، اذ ان الحزب الذي يعمل بشكل حثيث على تعزيز واقع بيئته من خلال اعادة الاعمار ودفع بدلات الايواء ليس مهتما بالمسار السياسي الداخلي او سرعته، لا بل يبدو غير مهتم ايضا بالمسار الاقليمي في ظل تصدي ايران لكامل المشهد الامر الذي يريحه عسكريا وتنظيميا ويجعله اكثر قدرة على اعادة ترميم بنيته الحزبية وربما التسليحية.
هذا يفسر عودة "الثنائي الشيعي" للحديث عن دعم رئيس تيار المردة سليمان فرنجية في معركته الرئاسية على اعتبار ان التنازل اليوم سيجر معه تنازلا اضافيا عندما يحين موعد المعركة الرئاسية الحقيقية، لذا جمد رئيس المجلس النيابي نبيه بري نظريته عن الرئيس التوافقي في الوقت الراهن، وهذا يحصل بتوافق او تنسيق مباشر او غير مباشر مع الاميركيين على الارجح.
في ظل هذا المشهد يبرز الاهتمام الاميركي والغربي الحاسم في لبنان، اذ تراجعت الخروقات الاسرائيلية لقرار وقف اطلاق النار الى حد ما، وبدأت اللجنة عملها، وهذا يعني ان عودة القتال ليست امرا مطروحا، وهذا بحد ذاته يوصل الى استنتاج حتمي بأن الفوضى السياسية والامنية لا تزال خطاً احمر في لبنان، اذ ان تأثر لبنان بالمحيط سيكون سياسيا وليس امنيا..
كل المؤشرات والظروف تؤكد ان نيران التطورات العسكرية في سوريا لن تطال لبنان بشكل مباشر، وان جبهة النصرة، بمسمياتها الجديدة، باتت أنضج بوصفها حركة سياسية، بمعنى ان لم تعد "حركة ثورية" انفعالية، بل لديها اولويات مرتبطة بالحكم، والاعتراف الدولي وغيره، وعليه فإنها وفي اطار معركتها اليوم، وبغض النظر عن النتائج لن تكون راغبة في فتح حروب لا مع العراق ولا مع لبنان ولعل رسالة المعارضة السورية الى الشعب اللبناني والتي نشرت امس، خير دليل على ذلك.