تدخل سوريا مرحلة انتقالية غامضة ومحفوفة بالتحديات والمخاطر، حيث تتنافس القوى الإقليمية والدولية على صياغة مستقبلها ، ويأتي ذلك بعد دخول فصائل المعارضة السورية المسلحة إلى دمشق، وبعد سيطرتها على حمص، ودخولها إلى العديد من المرافق الحكومية والحيوية. وأعلن رئيس الحكومة السورية محمد غازي الجلالي استعداده لتسليم المرافق العامة والمؤسسات، وأنه يمد يده إلى المعارضين بعد اعلانهم عدم التعرض لأي انسان في الوطن، وقال إن سوريا ملك لجميع السوريين. في حين ذكرت صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية أن رياض حجاب سيصبح رئيساً للوزراء في سوريا خلال فترة انتقالية، كما يرأس حكومة انتقالية. وبالتالي، لن تضطر الولايات المتحدة إلى التعامل مع محمد الجولاني، الذي تعتبره "إرهابياً" على رأس "هيئة تحرير الشام".
وفيما غادر الرئيس السوري بشار الأسد إلى روسيا، أفاد مصدر في الكرملين مساء الأحد، بأن الأسد وأفراد عائلته وصلوا إلى موسكو، وقدمت لهم روسيا حق اللجوء.
فما هي السيناريوهات المتوقعة لسوريا بعد قرار الأسد التنحي عن الرئاسة ومغادرة سوريا موعزاً بانتقال سلمي للسلطة كما أفادت الخارجية الروسية؟ وهل ستشهد سوريا نقطة تحول كما أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن؟
إن قرار إنهاء دور الرئيس الاسد في سوريا، جاء في سياق تفاهم دولي، بين روسيا وتركيا وإيران، وموافقة قطر والسعودية، ومصر، والولايات المتحدة الامريكية، وإسرائيل، يقول العميد أكرم سريوي لـ"لبنان24".
أما عن السيناريوهات ما بعد الاسد، فالموجود حالياً ، بحسب العميد سريوي، هو مرحلة انتقالية تديرها فصائل المعارضة، يتم خلالها صياغة دستور جديد للبلاد، برعاية الامم المتحدة والجامعة العربية والدول الراعية للاتفاق، وسيكون على الأرجح شبيهاً باتفاق الطائف اللبناني، والصيغة العراقية، في تقاسم الحكم على أسس مذهبية، تضمن مشاركة جميع الاطراف داخل سوريا. لكن المشكلة أن هذه الدول، لديها مصالح متضاربة داخل سوريا، وبالتالي هذا سيؤدي إلى نشوب خلافات، وقد تتحول سوريا إلى النموذج الليبي، أي مناطق نفوذ لكل من هذه الدول، مما يعني أن سوريا قد لا تبقى دولة واحدة، بل ستذهب إلى التقسيم، أو بأفضل الحالات، نوع من الفيدرالية المذهبية والعرقية، في ظل طغيان النفوذ السنّي عليها.
منذ بدء الحرب السورية في العام 2011 والطروحات والأفكار على قدم وساق لتقسيم سوريا، فوزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر، في تعليقه حول مآلات الملفّ السوري، خلال ندوة نظمتها مدرسة جيرالد فورد للسياسة العامة، التابعة لجامعة ميشيغان في العام 2013 قال هنالك ثلاث نتائج ممكنة: انتصار للأسد. إنتصار للسنّة. أو نتيجة تنطوي على قبول مختلف القوميات بالتعايش معاً، ولكن في مناطق مستقلة ذاتياً على نحو أو آخر، بحيث لا تقمع بعضها البعض. وفي العام 2015 اقترح الخبير في الشؤون الأمنية بمعهد بروكينغز، مايكل أوهانلون، حسم الصراع في سوريا من خلال تأسيس نظام فيدرالي يبدأ من منطقتين: كردية في الشمال ودرزية في الجنوب، ومن ثم إنشاء منطقة آمنة للعلويين وتشكيل مجلس إدارة علوي يعمل على توفير الخدمات الأساسية بالتنسيق مع الروس والإيرانيين.
فهل ستقسم سوريا اليوم وكيف؟
بحسب العميد سريوي، بدأت خطة تقسيم سوريا مع الانتداب الفرنسي عام 1920 عندما تم إنشاء أربع دول هي؛ دولة حلب، دولة دمشق، دولة جبل الدروز، ودولة جبل العلويين، والآن اضيفت إلى هذا السيناريو القديم دولة الأكراد، التي تدعم إنشاءها كل من الولايات المتحدة الاميركية وفرنسا وإسرائيل، وتعارض تركيا ذلك بشدة.
لقد نشرت بعض الدراسات الأميركية خارطة مقترحة لتقسيم سوريا إلى خمس دويلات مذهبية وعرقية، ولحظت الدراسة، أن إنشاء هذه الدويلات سيحتاج إلى بعض عمليات النقل للسكان (ترانسفير) لتتحول الدويلات إلى مناطق مذهبية بشكل شبه كامل، وركّزت الدراسة على أن يحصل ذلك بطريقة سلمية، وليس كما حدث في كشمير بين الهند وباكستان.
وهنا يعتقد سريوي أن محاولات ستحصل لإحياء هذه المشاريع التقسيمية، مع محاولة كل طرف توسعة حدود دولته على حساب الآخرين، وهذا ما سيخلق مناطق نزاع حدودية لا تنتهي بين هذه الدول.
لكن ما مدى تأثير الاوضاع في سوريا على لبنان؟ وهل هناك قرار دولي بتحييد لبنان؟
لا شك أن ما يحدث في سوريا يؤثر بشكل مباشر ، وفق العميد سريوي، على لبنان، لعدة أسباب: أولاً لأن سوريا هي المنفذ البري الوحيد للبنان، وخاصة نحو دول الخليج العربي. ثانياً بسبب التداخل السكاني بين الشعبين اللبناني والسوري، والحدود البرية الطويلة والمفتوحة، والتي يصعب ضبطها، وتبقى ممراً للتهريب. ثالثاً لوجود كثير من المصالح المشتركة بين البلدين، وقرب المسافة، التي تسهل عمليات التجارة والنقل والسياحة والسفر وغير ذلك. رابعاً العلاقات التاريخية والسياسية والثقافية، والتي يتأثر بها البلدان.
لقد فقد لبنان بسبب الحرب في سوريا منذ عام 2011 موارد اقتصادية مهمة، خاصة في مجال التصدير والاستيراد من دول الخليج العربي وأسيا واليها ، وكذلك الحركة السياحية التي كانت نشيطة عبر البر، من تلك الدول نحو لبنان، فضلاً عن نشاط حركة التهريب عبر المعابر غير الشرعي. ولهذه الأسباب تكبد لبنان خسائر، تقدر بمليارات الدولارات. أمًا من الناحية الأمنية فقد عانى لبنان، وخاض معركة الجرود ضد الإرهابيين، الذين حاولوا التسلل من سوريا إلى لبنان، وقتلوا عدداً من العسكريين اللبنانيين، وأثّر وجودهم على انتشار بعض الخلايا المتطرفة داخل لبنان، وما زال الخطر اليوم موجوداً. لكن الجيش ، بحسب العميد سريوي، لديه القدرة الكافية للتصدي لأي محاولات دخول إلى لبنان، ويحظى بدعم دولي لحماية حدوده، ولا اعتقد أن هذه الدول وفي مقدمتها فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة الاميركية، ستسمح بالمساس بأمن لبنان، من قبل الجماعات المسلحة في سوريا.
وبعد اتفاق وقف اطلاق النار في الجنوب، وبوجود اليونفيل ولجنة الإشراف على تطبيق الاتفاق والقرار 1701، بات لبنان، كما يؤكد سريوي، يحظى بغطاء دولي، لتثبيت الأمن والاستقرار وحماية حدوده من أي اعتداء، وقد نشهد في المرحلة المقبلة تعزيز كبير لقدرات الجيش، على مستوى التسليح، وتقديم المساعدات الدولية المهمة له.