منذ بداية الحرب وإلى حين اشتداد الازمة كانت المصانع اللبنانية تعمل 24/7 وذلك بعد أن عطّلت الصواريخ الإسرائيلية الطرق البريّة بين لبنان وسوريا، بالاضافة إلى تراجع حركة الشحن إلى لبنان بشكلٍ ملحوظ بسبب مخاوف الشركات الأجنبية من الضربات التي قد تطال سفنًا مضطرةً للعبور من البحر الاحمر، الذي هو الآخر كان مسرحًا آخرًا للمعركة التي تُخاض ضدّ العدوّ الإسرائيليّ.
وعلى الرغم من القصف والضرب وتراجع نسبة الإمدادات الخارجية على صعيد المواد الأولية لم تتوقف المصانع اللبنانية عن العمل، خاصة بالنسبة إلى مصانع المواد الغذائية والتنظيف التي تضاعف عملها في أوائل أيام الحرب، حيث كانت نسبة النزوح كبيرة إنّما محدودة، وحسب مصادر اقتصادية تواصل معها "لبنان24"، فإنّ هذه المصانع وسّعت رقعة انتشارها، وتمكنت من استئجار مستودعات تركّزت معظمها في المناطق التي تشهد حركة نزوح حيث تم نقل قسمٍ كبير من الانتاج إلى تلك المناطق للمساهمة في توفير المواد الغذائية، خاصة على صعيد المعلبات والمياه والحبوب والزيوت، وغيرها من الانتاجات التي تساهم المصانع في توفيرها. وحسب المصدر فإنّ عددًا كبيرا من المصانع قام بإعادة تموضع، بمعنى نقل معداته الاساسية إلى أماكن أكثر أمانًا، في حين توقف ما بين 25 إلى 30% من المصانع اللبنانية عن العمل، سواء بسبب استهدافها بشكل مباشر، أو لسبب تواجدها في مناطق غير آمنة.
وفي ظل المخاطر التي واجهها العمال، أكّد المصدر أنّ القطاع الصناعي في لبنان شهد أقل نسبة هجرة بالنسبة إلى العمال، إذ في بدايات الحرب، لم تؤثر الضربات الإسرائيلية إلا على المصانع التي كانت معرّضة للخطر، أما على صعيد المصانع الأخرى، فإنّ العمل داخلها بقي طبيعيًا، لا بل ارتفعت عملية الإنتاج أكثر وذلك لتغطية النقص الذي قد تخلّفه المصانع المتوقفة عن العمل، وما يؤكّد ذلك هو صمود أكثر من 250 ألف عامل يرتبطون بهذا القطاع سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.
هذا كان كلّه قبل تدفق المساعدات إلى لبنان، إذ مع وصول الطائرات المحملة بالمساعدات، والتي أغرقت السوق، أثّر ذلك بشكلٍ سلبيّ على عمل المصانع، وهذا ما يؤكّده فريد، صاحب مصنع زيوت في لبنان، كان قد نقله من بيروت إلى إحدى المناطق الآمنة، بعيدًا عن العاصمة، إذ يشير لـ"لبنان24" أنّ خلال المرحلة الاولى من الحرب، ومع ارتفاع نسبة النزوح يمكن القول أن كل المصانع اللبنانية المتواجدة في المناطق الآمنة تضاعف إنتاجها، وتمكنت من رفع كمية منتجاتها من خلال استقطاب عددٍ أكبر من اليد العاملة والموظفين، حيث عمل بعض المصانع على وصل الليل بالنهار وذلك لتأمين الكمية اللازمة.
ويؤكّد فريد أنّه مع اشتداد الحرب الإسرائيلية ، وتوسيع رقعة الغارات، تأثّرت المئات من المصانع جرّاء ما حصل، ما أدى حسب أرقام جمعية الصناعيين في لبنان إلى إغلاق أكثر من 30% من المصانع أبوابها مؤقتًا، إلى حين عودة الأمن، خاصةً وأن ليس كل المصانع قد تعرّضت للضرب بشكل مباشر، سواء في الضاحية، أو الجنوب، أو البقاع، لافتًا إلى أنّه هنا "برز دور المعامل التي كانت متواجدة في المناطق الآمنة، وعملت من خلال مضاعفة إنتاجها، بالاضافة إلى زيادة عدد فرقها من خلال توظيف عدد أكبر من الاشخاص لسدّ النقص، لا وبل تأمين احتياجات أكثر من مليون نازح في مختلف المناطق اللبنانية". إلا أنّ وتيرة العمل توقفت مع بدء توافد طائرات المساعدات، وهذا ما أثّر على كمية الإنتاج داخل هذه المصانع، خاصة وأنّ هذه الطائرات التي قدمتها الدول العربية والاجنبية والاوروبية الصديقة للبنان كانت تحتوي على كميات كبيرة من المواد الغذائية، بالاضافة إلى منتجات تتعلق بالتنظيف، والتي أيضا أثّرت على عمل مصانع إنتاج مواد التنظيف بعد فورة العمل التي شهدتها.
وحسب المصدر الاقتصادي، فإنّ كميات كبيرة من المواد الغذائية المصنّعة في الخارج وصلت إلى لبنان، إذ حسب الارقام، تم توزيع أكثر من 6 مليون وجبة في 1000 مركز، هذا عدا عن وجبات الطعام الجاهزة والحصص الغذائية لأكثر من 11,315 فردًا وبلغت في مجموعها هذه فقط أكثر من مليون مساعدة، وهنا لم نتطرق بعد إلى المساعدات الأخرى التي تتركز على الادوية، والمواد الخاصة التي تستعملها النساء، بالاضافة إلى المكملات الغذائية... ومن هنا يؤكّد معظم التجار أنّ دعم الدول الصديقة للبنان النازحين بمواد غذائية خارجية أثّر على تجارتهم، وهذا ما يبرهن حسب المصدر الاقتصادي صمود البضائع اللبنانية على رفوف المحال التجارية أولا، وثانيًا صمود الأسعار التي بقت على حالها ولم تشهد أي ارتفاع يُذكر وذلك نتيجة لعدم تهافت المواطنين في مناطق النزوح على تخزين المواد الغذائية التي كانت تصل إليهم تباعًا.
ويلفت المصدر إلى أنّ المصانع اللبنانية يمكن القول أنّها استفادت من الحملات التي كانت تقوم بها الجمعيات الخيرية في لبنان، والاحزاب السياسية والتي كان لها دور كبير في المساهمة بإغاثة النازحين، ذلك بالاضافة إلى 240,459 فردًا استفادوا من المساهمات النقدية الطارئة التي قدّمها المجتمع الدولي عبر 10 منظمات تابعة للأمم المتحدة. ويرى المصدر أنّه كان الاجدى انّ يتم توزيع الاموال على اللبنانيين النازحين بدل تقديم المواد الغذائية كي لا يتم تحميل قطاع الصناعة في لبنان ضغطًا أكبر.
وعلى الرغم من كل ما حصل، يمكن القول أنّ قطاع الصناعة وعلى عكس القطاعات الأخرى استطاع تفادي المرحلة الاصعب، والعين اليوم حسب المصدر الإقتصادي على مهلة الستين يومًا التي من شأنّها أن تساهم في إعادة الحياة إلى المصانع المتوقفة، واستعادة المصانع المتواجدة في المناطق المتضررة لدورها مع عودة النازحين إلى بلداتهم. ويرى المصدر أن التحدي الأكبر والأهم هو موسم الأعياد، حيث ترى من خلاله المصانع فرصة لتغطية جزء من خسائرها في حال استمرت حركة المطار بالارتفاع، وهذا ما يؤشر لموسم أعياد جيّد يؤسّس لموسم شتوي قد يكون افضل من الموسم الماضي.