مجدّدًا، استعادت اللجنة "الخماسية" زمام المبادرة على خطّ الاستحقاق الرئاسي، حيث التقى كلّ من سفيرة الولايات المتحدة الأميركية ليزا جونسون، وسفير المملكة العربية السعودية وليد بخاري، والسفير الفرنسي هيرفي ماغرو وسفير دولة قطر الشيخ سعود بن عبد الرحمن بن فيصل آل ثاني وسفير مصر علاء موسى، رئيس مجلس النواب نبيه بري، بعدما كان السفير المصري التقى منفردًا رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع.
جاء تحرّك "الخماسية" المتجدّد، بعد انقطاع طويل نسبيًا، على وقع التطورات المتسارعة، محليًا وإقليميًا ودوليًا، وقبل أقلّ من شهر على الموعد المحدّد من قبل رئيس مجلس النواب لجلسة انتخاب، يصرّ على أنّها لن تكون كسابقاتها، وستفرز انتخابًا للرئيس، بدليل ما أبلغه لسفراء "الخماسية" في الاجتماع الذي عقده معهم، حين دعاهم "لكي يشهدوا الحضور والنِصاب والانتخاب"، وفق ما جاء في بيان صادر عن مكتبه الإعلاميّ.
لكن اللقاء جاء أيضًا في وقتٍ لا يزال "التفاؤل" بجلسة التاسع من كانون الثاني المقبل "محدودًا" بالكلام، من دون ترجمة عملية حتى الساعة، خصوصًا على مستوى التوافق على الأسماء، التي لا تزال تدور في الحلقة "المفرغة" نفسها، إن صحّ التعبير، وهو ما يطرح علامات استفهام حول الدور الذي يمكن أن تلعبه "اللجنة الخماسية" لضمان أن تكون الجلسة حاسمة ومثمرة، وربما على خطّ تقريب وجهات النظر بين مختلف الأطراف..
توجّهات "إيجابية"
في إطار "جسّ النبض"، يمكن وضع الحراك المتجدّد لـ"اللجنة الخماسية"، إن صحّ التعبير، حيث لم يصدر عنها حتى الآن ما ينبئ بأيّ مبادرات مطروحة على الطاولة من جانبها، أقلّه بانتظار اكتمال المشاورات القائمة حاليًا بين مختلف القوى، علمًا أنّ تصريحات السفير المصري، سواء بعد اللقاء مع بري، أو قبله اللقاء مع جعجع، اقتصرت على تأكيد التوجّهات العامة "الإيجابية"، التي يمكن أن تمهّد لانتخاب الرئيس مطلع العام الجديد.
ولعلّ من يستمع إلى حديث السفير المصري تحديدًا، يشعر بارتياح سفراء "الخماسية" بأنّ الأجواء المحيطة بجلسة التاسع من كانون الثاني، لا تشبه الأجواء التي سادت على مدى الأشهر السابقة، وهو ما يعزوه البعض إلى ما سمعه السفراء من بري خصوصًا، عن وجوه توجّه "حاسم" لإنجاز الاستحقاق في هذه الجلسة، من دون أيّ شروط مسبقة، وصولاً لحدّ الذهاب إلى جلسة مفتوحة بدورات متتالية حتى انتخاب رئيس جديد.
ويُضاف إلى هذا التوجّه "الحاسم" الذي نقله السفراء عن بري، الأجواء الإيجابية العامة التي تحيط بالاستحقاق، باعتبار أنّ مختلف الأطراف متّفقون بصورة أو بأخرى على ضرورة انتخاب رئيس للجمهورية في أسرع وقت ممكن، لمواكبة المرحلة الاستثنائية والمصيرية التي تمرّ بها البلاد، وهو ما كانت اللجنة الخماسية تؤكد عليه منذ أشهر، ويبدو أنه وجد أصداءه أخيرًا لدى مختلف الأطراف، خصوصًا بعد دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ.
دور مُراقِب؟
يقول العارفون إنّ الحراك المتجدّد لـ"الخماسية" يأتي بهذا المعنى، في سياق استكمال الدور الذي كانت قد بدأته منذ فترة طويلة، من أجل "الضغط" على مختلف الأفرقاء لإنجاز الاستحقاق الرئاسي، خصوصًا بعد حالة الشلل والجمود التي سيطرت على الأجواء، وتعذّر التوافق بين مختلف الأطراف، وبالتالي فإنّ اللجنة "الخماسية" تريد اليوم التأكيد على مواصلة هذا الدور، لضمان أن يكون هناك رئيس جديد للبنان في أقرب وقت ممكن.
لكنّ العارفين يشدّدون على أنّ ذلك لا يعني أنّ "الخماسية" في صدد لعب أيّ دور فعليّ اليوم، بعيدًا عن دور "المراقب"، إن صحّ التعبير، خصوصًا أنّها تتلمّس أجواء إيجابية من قبل الأطراف، باستعدادهم للذهاب إلى مشاورات مكثّفة في المرحلة المقبلة، من دون الحاجة الحقيقية إلى رعاية أو وساطة من قبل أيّ جهة، خصوصًا بعد تخلّي كل الأطراف عن الكثير من "الفيتوات" التي كان معمولاً بها في السابق، والتي عطّلت الاستحقاق إلى حدّ بعيد.
مع ذلك، فإنّ اللجنة "الخماسية" تبقى جاهزة لأيّ تحرّك ممكن لتقريب وجهات النظر، متى شعرت أنّ ذلك ضروري، ولا سيما أنّها نسجت علاقات إيجابية بهذا المعنى مع الكثير من القوى السياسية، كما تبنّت مبادرة كتلة "الاعتدال" في وقت سابق، علمًا أنّ زيارة لا تزال محتملة للموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان قبل موعد الجلسة، في إطار "حثّ" الأطراف على انتخاب الرئيس، ولو أن كل شيء يبقى مؤجّلاً إلى مطلع العام الجديد.
صحيح أنّ "اللجنة الخماسية" استعادت زمام المبادرة بشكل أو بآخر، إلا أنّ كلّ المؤشرات توحي بأنّ دورها سيبقى محصورًا بالمراقبة، أقلّه حتى بداية العام الجديد، بانتظار اكتمال المشاورات بين مختلف الأطراف. يقول البعض إنّ الحراك الحقيقي يبقى داخليًا بالدرجة الأولى، في ظلّ المواقف الداخلية "المتقاطعة" على أنّ انتخاب الرئيس أصبح ضروريًا، ولو أنّ المخاوف تبقى مشروعة من "انتكاسة" تبقى واردة في أيّ وقت!