ما حدث في سوريا ليس "بصرة منام". وقد يكون سقوط نظام البعث بعد 55 سنة من الحكم من بين أكثر الأحداث تأثيرًا على وضع المنطقة ومستقبل دولها وشعوبها. ولا شك في أن نصيب لبنان من هذه التأثيرات هو الأكبر من بين سائر الدول. فما كان قائمًا بين لبنان ونظام الأسدين لم تشهده أي دولتين متجاورتين ومتداخلة حدودهما إلى درجة حالت دون ترسيم هذه الحدود البرية والبحرية. ويكفي أن تكون المسافة التي تفصل بيروت عن دمشق هي الأقرب بين عاصمتين ليس في العالم العربي فحسب، بل في العالم كله، وذلك للتدليل على ما كان بينهما من علاقات على امتداد عشرات السنين، وإن كان أغلبها متوترًا.
قد تكون مبررةً هذه الاحتفالات والمهرجانات التي عمّت بعض المناطق اللبنانية كتعبير عفوي عمّا يرمز إليه سقوط هذا النظام بهذه السرعة، الذي لا يزال لغزًا لم يُكشف بعد. فما عاناه قسم كبير من اللبنانيين خلال الوصاية السورية دفعهم إلى مثل هكذا انفعالات. ولكن سرعان ما تذهب مفاعيل "السكرة وتأتي الفكرة". وهذا القول مستند إلى تجارب سابقة في عدد من دول المنطقة التي لفحتها رياح التغيير. وما بين الفوضى والاستقرار خيط رفيع. وقد يكون من المبكر جدًّا الحكم على أحداث سوريا سلبًا أو إيجابًا. وربما تكون لغة العقل والمنطق في هكذا ظروف أجدى من لغة الغرائز المبررة في لحظتها. فالتعاطي مع الزلزال السوري يفرض على الجميع أن يكونوا في مستوى هذا التغيير، الذي لم يكن مفاجئًا لكثيرين، وبالأخص لعدد كبير من اللبنانيين ولغير اللبنانيين، ومن بينهم الإيرانيون، حيث قال مرشد الثورة الامام على خامنئي إنه حذّر الأسد منذ أيلول في شأن التهديدات "لكنه أهمل تحذيرنا". وهذا القول أعاد إلى الذاكرة مشهدية لبنانية مماثلة حصلت قبل سنوات.
وهذا النوع من التعاطي يفرض نفسه على جميع المعنيين بما حدث في سوريا. فما هو آتٍ قد يكون أصعب مما فات، لأن هذا الزلزال ستكون له ارتدادات غير محسوبة النتائج، لذلك فإنه من الأفضل التعامل معه بعقل بارد بعيدًا عن العواطف المبررة ليوم واحد وليس لأكثر من ذلك. فما ينتظر لبنان واللبنانيين من نتائج هذه الأحداث المتسارعة قد يفاجئ كثيرين ممن هللوا لسقوط نظام الأسد، مع تكرار التأكيد أن هذا "التهليل" مبرر في لحظة تاريخية قد تكون من بين أهم اللحظات في حياة اللبنانيين، سواء أكانوا مؤيدين للنظام السوري أو معادين له. فمفاعيل هذا "الحدث – الزلزال" لن تقتصر بالطبع على اللحظة الآنية، بل يجب أن تؤخذ من زوايا عديدة، وقد يكون أهمها على الاطلاق ما تقوم به إسرائيل في الداخل السوري، وذلك استكمالًا لما ارتكبته من مجازر في قطاع غزة ولبنان.
فهذا السقوط وبهذا الشكل الدراماتيكي لا يمكن فصله لبنانيًا عن حرب الستين يومًا بين "حزب الله" وإسرائيل، والتي انتهت صوريًا باتفاق لوقف النار بعد مفاوضات تولاها الرئيس نبيه بري باسم "حزب الله" باعتباره "الأخ الأكبر"، وباسم لبنان الرسمي في الوقت ذاته. ولا شك في أن لمفاعيل هذين الحدثين المتزامنين من حيث نقطة الالتقاء مع نتيجة واحدة، وهي إضعاف قدرة إيران على التحكم عن بعد بمسرى الأحداث التي تُجرى على أراضٍ عربية.